مشروع “روبو فود”: روبوتات صالحة للأكل تفيد قطاعي الصحّة والبيئة

مشروع “روبو فود”: روبوتات صالحة للأكل تفيد قطاعي الصحّة والبيئة

1 دقيقة قراءة
شراكةٌ بين عدّة مؤسساتٍ أكاديميةٍ وبحثية، أثمرت عن تجربةٍ فريدةٍ من نوعها، حيث لا تُصنَع الروبوتات من المعادن، بل من مواد عضويةٍ صالحةٍ للأكل، فتَعِدُ بثورةٍ في الرعاية الصحية المستدامة وحتى في التجارب الغذائية.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

شراكةٌ بين عدّة مؤسساتٍ أكاديميةٍ وبحثية، أثمرت عن تجربةٍ فريدةٍ من نوعها، حيث لا تُصنَع الروبوتات من المعادن، بل من مواد عضويةٍ صالحةٍ للأكل، فتَعِدُ بثورةٍ في الرعاية الصحية المستدامة وحتى في التجارب الغذائية.

حين قيل قبل سنواتٍ إنّ التكنولوجيا ستتغلغل إلى كلِّ جوانب الحياة، لم يتخيل أحدٌ أن يتواصل مع الروبوتات لطلب وجبة طعام، أو أن يقدِّم الطعامَ روبوتٌ بدلاً من النادل، أو أن تحمل طائرةٌ بدون طيارٍ وجبته من مكانٍ لآخر. اليومَ بعد أن أصبح كلُّ ذلك حقيقة، ماذا بعد؟

تترك الروبوتات التقليدية، الصلبة وغير القابلة للتلف أو التحلُّل، بصمةً بيئية، وتظلُّ مكوناتها غير العضوية باقية لفترةٍ طويلة بعد تضاؤل فائدتها. أما الطعام فإنّه مختلف، فهو قابلٌ للاستقلاب وقابل للتحلّل الحيوي.

التقط المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في لوزان هذه الفكرة، وقرّر فريقُه تجربة صناعة روبوتاتٍ صالحةٍ للأكل، فقاد مشروعاً متعدّد الاختصاصات أسماه روبو فود “RoboFood”، يمزج بين الخبرة في مجال الروبوتات والحكمة في الطهي من جامعة فاغينينغين الهولندية، ورؤى التصنيع المتقدم وعلوم المواد من جامعة بريستول بالمملكة المتحدة، وعلوم الروبوتات الحيوية من المعهد الإيطالي للتكنولوجيا.

يجمع هذا المسعى بين خبراء وباحثين من مجالاتٍ وتخصّصاتٍ مختلفة، فالمهمة هي تصنيع مواد ذات استخدامٍ مزدوج وجمع مبادئ الروبوتات اللينة مع أحدث تقنيات معالجة الأغذية.

تخيَّلَ هؤلاء العلماء أنظمةً توصل الأدوية المصمّمة خصيصاً لاحتياجات المرضى الذي يعانون حالاتٍ مزمنةً كعسر البلع، وتقدّم لهم علاجاتٍ دقيقةً تستهدف مكمن المشكلة بدقة وتقلّص الآثار الجانبية. ليس هذا فقط، بل صمّموا أجهزةً يمكن أن تؤدّي مهمة المراقبة من داخل الجسم الحيّ، بحيث تزوِّد الأطباء ببياناتٍ دقيقةٍ وحيّةٍ من قلب العمليات الحيوية لأجسام المرضى. ثم فكّروا بصنع أجهزةٍ يمكن للوكالات البيئية نشرُها لمراقبة الحياة البرية وحماية النُّظُم البيئية في المناطق الريفية.

أثمرت التجارب التنفيذيّة عن مستشعِراتٍ ومشغِّلاتٍ ومصادر طاقةٍ وقبضاتٍ صالحةٍ للأكل، وحتى عن طائراتٍ بدون طيار تحلِّق بأجنحةٍ مصنوعةٍ من كعك الأرزّ فتوصل الغذاء والدواء معاً في أعقاب الكوارث.

لن تُصنع هذه الروبوتات من المعادن أو البلاستيك، بل سيُستخدَم الجيلاتين بدلاً من المطاط في المشغِّلات المرنة، وسيحاكي بسكويتُ الأرز الرغوةَ الهيكلية، بينما تحمي أغشيةُ الشوكولاتة المكونات من الرطوبة. وليست هذه سوى أمثلةٍ على المواد العضوية التي يمكن استخدامُها في هذا الابتكار. ويبقى السؤال: أيمكن لهذه المواد تلبية متطلبات العالم الحقيقي؟

أولاً، كانت البداية حلَّ أحجية التصغير، العنصر الضروري للروبوتات الفعّالة، عبر الهندسة الدقيقة وعلوم المواد الجديدة التي عمل خبراؤُها على تصغير المكوّنات المختلفة دون المساس بخصائصها الوظيفية أو التغذويّة.

ثانياً، عمل المطوِّرون على ضمان التعايش الآمن بين هذه المواد عند استهلاكها بحيث تجتمع العناصر الإلكترونية بنظيراتها القائمة على السوائل دون أن تفسِد أيٌّ منهما الأخرى، ويجب أن تتّسم بالمتانة والديمومة، بمعنى أن تؤدي الوظيفة الأساسية المطلوبة منها قبل أن تُستهلَك أو تتحلّل.

ثالثاً، احتاجت هذه الوحدات الصالحة للأكل لظروف تخزينٍ ملائمةٍ خارج المختبر، بحيث تصمد في وجه الظروف المختلفة.

لا يكفي أن تكون هذه الروبوتات قابلةً للبلع دون مشاكل هضمية، حيث ينبغي أن يكون مذاقُها مُستساغاً على الأقل، وهذا هو تحدّي تحقيق التوازن بين الأداء الوظيفيّ والطعم، ما أضاف للمهمة تحدياً يتمثّل بتصميم التجربة الحسّيّة من ملمسٍ ورائحةٍ ونكهة.

وهذا ليس التحدي الوحيد، فهناك تحدّي نشر الابتكار وتوسيع نطاق الإنتاج، الأمر الذي يُترجَم إلى تكاليف مرتفعة. إذاً، لا بدّ من طريقةٍ لتكون هذه الابتكارات الصالحة للأكل فعّالة من حيث التكلفة، وإلّا فلن تصنع تأثيراً حقيقياً. لذا، أنشأ المشروع موقعاً إلكترونياً خاصاً وحساباتٍ على مواقع التواصل الاجتماعيّ لمشاركة الابتكار مع الأوساط العلمية ومع الجمهور الأوسع ضمن محادثات شفافة، فالقبول الاجتماعيّ سيولِّد زخمَ الاستمرار، خاصةً أنّ السمة التعاونيّة للمشروع تمنحه ثِقَلاً اجتماعياً وتَعِد بابتكاراتٍ لم تكن لتتحقّق بجهود المجالات المنفردة.

في مجال الرعاية الصحية، يمكن للآلات القابلة للأكل أن تُحدِثَ ثورةً علاجيةً بمعنى الكلمة، فتوجِّه الدواء المناسب ليؤدي المهمّة الأمثل في وقتٍ قياسيّ، وتزوّد الأطباء بالنتائج.

ومن شأن هذا الابتكار أن يقدّم تجارب غذائيةً فريدةً للمستهلكين وأن يفيدَ قطاع الصناعات الغذائية ويحسّن سلامة الغذاء عبر تعزيز المراقبة.

بيئياً، تستطيع هذه الأجهزة تقليل النفايات ونقل العناصر الغذائية الحيوية للحيوانات البرية وإيصال اللقاحات للأنواع المهدّدة بالانقراض دون التعدّي على موائلها أو إفزاعها، أو التفاعل بطرائقَ تقلّل من النفايات من خلال الإدارة السليمة على عكس الروبوتات التقليدية. كما أنّ استخدام المواد القابلة للتحلّل يدعم جهود الحدّ من تأثير التكنولوجيا على البيئة.

وفي مجال الزراعة، تبشِّر هذه الروبوتات بتمكين إدارة الموارد المهمّة كالمياه والأسمدة وتعزيز المحاصيل المستدامة.

إذا استطاعت هذه الفكرة أن تشقَّ طريقَها وتحقّق الانتشارَ المطلوب، قد تفسح الطريق لظهور صناعاتٍ ووظائف جديدةٍ في مجالات الرعاية الصحية والإدارة البيئية والإنتاج الغذائيّ. وبهذا، فهي لن تُطعِمَ البشر والحيوانات فحسب، بل ستغذّي المستقبل.

المراجع:

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
اشترك في النشرة الإخبارية لمنصة ابتكر
القائمة البريدية للمبتكرين
تصل نشرتنا الإخبارية إلى أكثر من 30 ألف مبتكر من جميع أنحاء العالم!
اطلع على النشرة الإخبارية لدينا لتكون أول من يكتشف الابتكارات الجديدة و المثيرة و الأفكار الملهمة من حول العالم التي تجعلك جزءاً من المستقبل.
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

لعبة الاختلاف … ابتكارٌ في اليابان يوقظ الإبداع البشريّ في وجه الخوارزميات

في عالمٍ يتنامى فيه حضور الذكاء الاصطناعيّ باستمرار، تقف لعبة الاختلاف شاهداً على القوة الدائمة للإبداع والتعبير البشري، من خلال تشجيع الأفراد على التفكير خارج الصندوق والإبداع بطرائق لا يمكن للذكاء الاصطناعي تقليدُها. لا يسلّط هذا المشروعُ الضوءَ على قيود التكنولوجيا فحسب، بل ويحتفي بالجوهر البشريّ الذي لا يمكن الاستغناء عنه.

 · · 8 أكتوبر 2025

الناتج المحلي الإجمالي الجديد … أداة بيانات للرصد الحيّ لحالات عدم المساواة

تجربةٌ يرى فيها الخبراء القلبَ النابضَ للاقتصاد بصورةٍ مباشرة، فلا يفهمون مقدار نموّه فقط، بل ومَن يستفيد من هذا النموّ كذلك. هذا مشروعٌ أمريكيٌّ يزوّد صنّاع السياسات بالأدوات اللازمة لرصد الفوارق بين الناس ومعالجتها في الوقت الحقيقيّ، عبر ابتكارٍ رائدٍ يتحدّى المنهج التقليدي في قراءة المشهد الاقتصاديّ.

 · · 8 أكتوبر 2025

تسريع الاكتشاف العلمي باستخدام الذكاء الاصطناعي

مع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي وأدواته، هل ستُحدِث تطبيقاته ثورةً في العلوم التطبيقية؟ تطبيقات تستفيد من نماذج اللغة الكبيرة، والخوارزميات المتقدّمة، لتسريع عجلة الاكتشافات العلمية وأتمتة المهام الروتينية وتوليد فرضياتٍ جديدةٍ باستمرار.

 · · 21 أغسطس 2025

الذكاء الاصطناعي الدستوري التشاركي … مواءمة الذكاء الاصطناعي مع مُدخلات الجمهور

بعد أن ترسّخ الذكاء الاصطناعيّ عنصراً أساسياً في حياة البشر، عليه أن يتمثَّل مبادئهم. من هذه الفكرة، انطلق مشروع الذكاء الاصطناعيّ الدستوريّ التشاركيّ في أمريكا، ليوائمَ سلوك الذكاء الاصطناعيّ مع القيم المجتمعية.

 · · 21 أغسطس 2025

من السماء إلى التربة: خوارزميات التعلُّم الآليّ والأقمار الصناعية لتطوير الزراعة الأفريقية

إزاءَ التحدّيات المناخيّة والغذائيّة والديمغرافيّة المتصاعدة، أطلق برنامج حصاد أفريقيا التابع لوكالة ناسا، مشروعاً يهدف إلى تحسين الممارسات الزراعيّة عبر الاستفادة من البيانات الحيّة وصور الأقمار الصناعيّة.

 · · 21 أغسطس 2025
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right