لندن تبتكر حلاً لخفض درجات الحرارة في شبكة قطارات الأنفاق

لندن تبتكر حلاً لخفض درجات الحرارة في شبكة قطارات الأنفاق

1 دقيقة قراءة
في أحد أكبر شبكات في العالم، تعمل حكومة المملكة المتحدة على مقاربة مشكلة متجذِّرة، وهي ارتفاع درجات الحرارة ضمن الأنفاق، إلى أن توصّلت مؤخراً إلى حلٍّ مبتكرٍ يضخّ الهواء البارد بأذكى استغلالٍ للمساحة وأقلّ قدرٍ من متطلباتٍ الصيانة، بينما تسعى لتأمين التمويل اللازم لنشره على مستوى وطنيّ.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

في أحد أكبر شبكات في العالم، تعمل حكومة المملكة المتحدة على مقاربة مشكلة متجذِّرة، وهي ارتفاع درجات الحرارة ضمن الأنفاق، إلى أن توصّلت مؤخراً إلى حلٍّ مبتكرٍ يضخّ الهواء البارد بأذكى استغلالٍ للمساحة وأقلّ قدرٍ من متطلباتٍ الصيانة، بينما تسعى لتأمين التمويل اللازم لنشره على مستوى وطنيّ.

في القرن التاسع عشر، وبينما كانت القطارات تُقِلُّ الأشخاص والبضائع بسرعة غير مسبوقة، كان لا بدّ من اجتياز عتبةٍ جديدةٍ لحلِّ مشكلات التلوث والازدحام، عندئذٍ قرّر الفيكتوريون دفنَ المشكلة بالمعنى الحرفيّ، لتؤسّس المملكة المتحدة أول شبكةٍ في العالم لقطارات الأنفاق: مترو تحت الأرض.

منذ العام 1836، تعبر ملايين الرحلات شبكة مترو لندن سنوياً، لكنّ جهود التحديث الدائمةَ تعجز أحياناً أمام عواملَ كالتقادم وتغيُّر المناخ، حيث تتزايد متوسطّات درجات الحرارة في مترو لندن حتى بلغت معدّلات لا تُحتمل في بعض الفترات، الأمر الذي أثار المخاوف حول أخطار الحرارة المرتفعة على صحة مرتادي المترو.

بتتبُّع تاريخ شبكة مترو لندن، يتَضح أنّ الأجزاء التي تسجّل أعلى درجات الحرارة كانت في الماضي باردة، حتى أنّ هذه كانت ميزةً تسويقيةً لمشروعات النقل تحت-الأرضيّ الذي كان مفهوماً ثورياً آنذاك. عبر السنين، أثّرت الحرارة في طبقات الطين البارد المستخدم في بناء الجدران الداخلية للأنفاق، فبلغت أقصى قدرتها على امتصاص الحرارة التي باتت تتكثّف تحت الأرض. ومع ازدياد أعداد القطارات التي تلتحق بالشبكة، تزداد درجات الحرارة وتتسع المساحات التي تغطيها الأنفاق، بحيث لم تترك مكاناً حتى لتركيب وحدات تكييف الهواء، والحاجة إليها شديدةٌ في ظلّ ندرة فتحات التهوية، وهذا بدوره يرجع إلى مرور الخطوط عبر بعض المناطق الأعلى كثافةً سكانيةً في المدينة، حيث لا يتيح التصميم المعماريّ خياراتٍ كثيرةً لحفر فتحات التهوية. كلُّ هذا سمح للحرارة المحيطة بالارتفاع تدريجياً حتى باتت تتراوح بين 20 إلى 25 درجةً مئوية.

اقترح مسؤولو العاصمة البريطانية عشرات الحلول عبر السنوات، فبات 192 قطاراً من قطارات الشبكة مكيَّفاً، وزوّدت بعض الخطوط بأنظمة تهوية محسّنة، فيما يستخدم بعضُها الآخر وحداتِ تبريدٍ تضخّ الهواء البارد على مدار الساعة ومراوح تبعث الهواء النقي عبر النفق. لكنّ مشاكل أخرى ترتّبت على هذا الحل، فالغبار والجسيمات الملوِّثة سرعان ما سدّت المراوح والقنوات المستخدمة في وحدات التبريد، فباتت تحتاج جهود صيانة مضاعفة، وهي عملية شاقة وخطرة وغير ممكنةٍ إلّا بعد إغلاق المحطة.

ولأنّ كلّ عامٍ جديد يسجّل درجات حرارة قياسية، تسعى هيئة النقل في لندن لتسريع جهود الابتكار صوبَ تحقيق حرارةٍ معتدلةٍ في شبكة قطارات الأنفاق باستخدام الحدّ الأدنى من المراوح.

أخيراً، توصّلت الهيئة إلى الابتكار الذي يحقّق هذه المعادلة بالشكل الأمثل– حتى الآن على الأقل– وبدأت إجراءَ التجارب ووضعَ اللمسات الأخيرة، وذلك بعد أن أسهمت كلٌّ من وزارة النقل وهيئة المملكة المتحدة للابتكارات بـ70% من تمويل المشروع المندرج ضمن برنامج “المختبر الحيّ” الذي أسّسته الحكومة بالتعاون مع 25 شريكاً يعملون جنباً إلى جنب لتطوير مشاريع البنى التحتية والأبحاث والبيانات وغيرها.

الابتكار عبارةٌ عن صفيحةٍ معدنيةٍ منحنية، يتم تثبيتها على سقف النفق لتتدلّى منه. تتخلّل هذه الصفيحةَ مجموعةٌ من الأنابيب المستطيلة المصنوعة من الألمنيوم، والتي تضحّ الهواء ضمن النفق. وليكون هذا الهواء بارداً، سيتم تمديد أنابيبَ ضمن هياكل الأنفاق ليمرّ الماء البارد عبرَها فيحول دون تراكم الغبار والأتربة. قدّمت الأنابيب المعدنية حلاً هندسياً يغني وحدات التبريد عن المعدّات الميكانيكية التي قد تعوق تثبيتَها على السقف وتصعّب صيانتها.

بعد ولادة الفكرة، صمّم المطوِّرون نموذجاً حاسوبياً افتراضياً ومجسَّماً صغير الحجم، لينتقلوا من هناك إلى بناء نموذجٍ أوليٍّ بالحجم الكامل، وذلك للتحقّق من صلاحية الفكرة عملياً. ولتثبيت النموذج التجريبي، اختيرت إحدى المنصات المهجورة في محطة هولبورن بوصفها موقعاً يحاكي البيئة الحية لعمل القطارات، وعادةً ما يستضيف تجارب هيئة النقل.

في النموذج التجريبيّ، صوحبت لوحة التبريد بمروحة، لكنّ ذلك كان لاختبار درجة البرودة فحسب. أما في التطبيق العمليّ، فسيتم تثبيت المراوح في مكانٍ منفصلٍ لتُدخِلَ الهواء الذي تنقله أنابيب خاصة إلى الصفائح.

بعد انتهاء الاختبار الأوليّ، ستبدأ المرحلة التجريبية الموسّعة، حيث سيتم تثبيت وحدات التبريد في إحدى منصات خط بيكاديللي الذي يستعدّ لاستبدال قطاراته تدريجياً، إذ تقتضي الخطة الحكومية زيادة ساعات الخدمة القصوى بنسبة 23%، وهذا يعني زيادة وتيرة مرور القطارات في ساعات الذروة من 24 إلى 27 قطاراً في الساعة.

تبقى كلُّ هذه الطموحات مرهونةً بتوفّر التمويل الذي تسعى الهيئة للحصول عليه، وبمجرد تمكُّنِها من ذلك، ستوسِّع المشروع– مبدئياً– إلى 4 محطاتٍ أخرى على خطّ بيكاديللي.

سيقدّم هذا الحلّ رحلاتٍ أكثر راحةً لسكان العاصمة البريطانية، وسيساهم في احتواء الأثر الحراريّ لشبكة قطارات الأنفاق ويمنع تفاقمَه. وعلاوةً على ذلك، فمن المتوقع أن يوفِّر 50% من تكاليف التشغيل والصيانة، ويخفّض درجة الحرارة بمقدار 10 إلى 15 درجةً مئوية، ليحلّ مشكلةً عمرها 120 عاماً.

المراجع:

https://tfl.gov.uk/info-for/media/press-releases/2022/july/tfl-trials-innovative-cooling-solution-designed-to-reduce-temperatures-on-the-tube-network

https://www.wired.co.uk/article/central-line-temperature-london-weather-heatwave

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
اشترك في النشرة الإخبارية لمنصة ابتكر
القائمة البريدية للمبتكرين
تصل نشرتنا الإخبارية إلى أكثر من 30 ألف مبتكر من جميع أنحاء العالم!
اطلع على النشرة الإخبارية لدينا لتكون أول من يكتشف الابتكارات الجديدة و المثيرة و الأفكار الملهمة من حول العالم التي تجعلك جزءاً من المستقبل.
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

جنوب أفريقيا تعيد النظر في خطط التوظيف للشباب

مع تفاقم مشكلة بطالة الشباب، رأت حكومة جنوب أفريقيا أنّ الأمر يستدعي منظوراً جديداً عند تصميم برامج التوظيف، بحيث لا تتوقف عند حدود المشكلة المباشرة، بل تمهّد الطريق للتنمية الاجتماعية والنموّ الاقتصادي طويل الأمد.

 · · 9 سبتمبر 2025

تجربة “ريجيو الإسبانية” – تصميم المدرسة المستدامة

في قلب مدريد، عاصمة إسبانيا، ظهر مشروعٌ تعليميٌّ رائدٌ يتحدّى المفاهيم التقليدية لتصميم المدارس ويقدّم مقاربةً جديدةً للاستدامة. مدرسة "ريجيو" التي انطلقت لتعيدَ تعريف الممارسات المعمارية وتدمج فلسفةً تعليميةً فريدةً تضع الأطفال في قلب رحلة التعلّم، وتجمع التعليم بالابتكار والاستدامة.

 · · 22 يوليو 2025

مكتبة المائة عام في النرويج

في عالم الفن والأدب، تبرز مبادرة "مكتبة المستقبل" كمشروع فريد من نوعه. مشروعٌ طموحٌ انطلق في العام 2014، على أن يستمر قرناً من الزمن، يكوِّن خلالها كبسولةً زمنيةً أدبيّةً تجمع نتاجَ خيرة الكُتّاب، لتكشف العاصمة النرويجية، أوسلو، النقابَ عنها في العام 2114، شرطَ أن تجتاز تحدّيات التغيّرات البيئية والمجتمعية.

 · · 22 يوليو 2025

عيون في السماء … تقدّمٌ في اكتشاف حرائق الغابات باستخدام المناطيد

مع تزايد وتيرة حرائق الغابات وشدَّتِها، حلّقت الحلول المبتكَرة، بالمعنى الحرفي للتحليق، إذ برزَ استخدامُ المناطيد المزودة بمستشعِراتٍ متطورّة ترصد المناطق من علوّ وتجمع البيانات الحية، وتغيّر بذلك أسلوب التعامل مع الحرائق.

 · · 22 يوليو 2025

تمكين النساء وتخفيض النفايات الغذائية في مدينة راوركيلا في الهند

غالباً ما تكون البساطة هي السمة المميّزة للحلول المبتكرة الجيدة الهادفة إلى تحسين حياة الناس وتمكينهم في المجتمعات المهمّشة، ناهيك عن أنها تتطلب مستوىً عالياً من الالتزام والثقة وروح التعاون لتجاوز التحديات، والتأقلم مع الصعوبات، وتبني المبادرات بشكل يؤدي إلى نجاحها. ينطبق هذا على مشروع بلديّة راوركيلا في شمال الهند، لمساعدة صغار بائعات المنتجات الزراعية على الحفاظ على منجاتهنّ من التلف وتجنيبهنّ الخسائر التي تنعكس سلباً عليهنّ وعلى أسرهنّ.

 · · 18 يونيو 2025
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right