فرنسا تطلق رادارات لضبط مخالفات التلوث السمعي

فرنسا تطلق رادارات لضبط مخالفات التلوث السمعي

1 دقيقة قراءة
بغرض ضبط حركة المرور، تستخدم الحكومة ما يعرف بالرادارات الصوتية، إلا أنّها محدودة الفائدة لكون استخدامها محصور بفحص المركبات بعد توقيفها عند المخالفة. ولتحسين كفاءة العملية، أطلقت الحكومة تجربةً لاستخدام راداراتٍ صوتيةٍ جديدة ذات كفاءة أعلى تستطيع رصد المخالفات الصوتية الصادرة عن المركبات المتحركة.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

في ظلِّ الآثار المَهولة التي يخلِّفها التلوث السمعيّ على الحياة العامة، أطلقت الحكومة الفرنسية مشروعاً لإطلاق رادارات حديثة تعمل على رصد التلوث السمعي الناتج عن المركبات التي تسير بسرعةٍ مفرطة ومخالفة سائقيها، ضمن تجربةٍ ستتم في عدة مجتمعاتٍ محلية تمهيداً لنشرِها على سائر الأراضي الفرنسية.

غالباً ما يكون الهدوء في المدن المزدحمة رفاهيةً يصعب الحصول عليها وقد ارتبطَت أنماط الحياة الحديثة بالتلوُّث السمعيِّ أو الضوضائيّ، لا سيما في المدن الكبرى، حيثُ يفرض حجم النسيج الحَضَريّ قدراً هائلاً من الضجيج، معظمُه ناتج عن أنشطةٍ بشريةٍ كحركة المرور.

وفي العاصمة الفرنسية باريس، التي تتصدر قائمة المدن الأوروبية الأكثر تلوثاً سمعياً، تظهر الاستطلاعاتُ أنّ الضجيج مصدرُ إزعاجٍ دائمٍ لمعظم السكان، الذين يرون فيه مشكلةً محليةً تؤثر سلباً على جودة الحياة قبل أن تكون سبباً للمخاوف الصحية. لكنَّ هذا لا ينفي أضرارَه الصحية الجسيمة، إذ تمتدُّ آثارُه وفقاً لمنظمة الصحة العالمية من الانزعاج وطنين الأذن إلى اضطرابات النوم ونقص تروية القلب وحتى الضعف الإدراكيّ لدى الأطفال.

وكانت منظمة “بروت باريف” (Bruitparif) قد أوضحت أنّ التلوث السمعي يتسبَّب بخفضِ متوسط عمر الفرد بما يُقدَّر بـ 11 شهراً. وهذا يعني إحصائياً أنّ 66 ألفَ عامٍ من الحياة الصحية تُسلَب من سكّان العاصمة الفرنسية، ومليوناً أخرى من مواطني أوروبا الغربية، ضمنِ معدَّلٍ سنويٍّ مصدرُه ضوضاء البنية التحتية للنقل، ناهيك عن أعبائه المالية الكبيرة على الحكومات والمجتمعات، إذ تقدِّر وزارة التحوُّل البيئي الفرنسية أن المجتمع الفرنسيَّ يهدر قرابة 147 مليار يورو سنوياً بسبب التلوث السمعي.

وبغرض ضبط حركة المرور، تستخدم الحكومة ما يعرف بالرادارات الصوتية، إلا أنّها محدودة الفائدة لكون استخدامها محصور بفحص المركبات بعد توقيفها عند المخالفة. ولتحسين كفاءة العملية، أطلقت الحكومة تجربةً لاستخدام راداراتٍ صوتيةٍ جديدة ذات كفاءة أعلى تستطيع رصد المخالفات الصوتية الصادرة عن المركبات المتحركة. 

إنَّ الرادار الصوتيَّ ليس راداراً بالمعنى التقني، بل جهازَ مراقبةٍ أوتوماتيكياً ثابتاً أو متحرِّكاً، يتكون من كاميرا بزاوية 360 درجةٍ مصحوبةً بـ 4 ميكروفونات موزَّعةٍ بدقة لرصدِ الأصوات وتتبُّع درجاتِها واتجاهاتِها، وهي تستطيعُ تمييز المركبات التي تصدر أصواتاً مرتفعة وتقيس مستويات الديسيبل (وحدة قياس الضجيج) كلَّ عُشرٍ من الثانية، لتلتقط السائقين الذين يقودون مركباتٍ تم التلاعب بمحركاتها لتضخيم صوتها، أو الذين يقودون بسرعةٍ مفرطة. بعدئذٍ، تلتقط الكاميرا صورةً للوحة السيارة ومن ثم تحديد المخالفة المناسبة.

من المخطط أن تستمر التجربة لعامَين، وأن تنقسمَ إلى مرحلتَين وانطلقت المرحلة الأولى مطلعَ العام الجاري، وستنطوي على اختباراتٍ ستُجرى على الطرق ضمن ظروفٍ حقيقية، وعلى مستوى ضوضاءٍ يصل إلى 90 ديسيبل، حيث نُشِرَت الأجهزة الأولى على طريقٍ يتردد عليه سائقو الدراجات غربيَّ باريس. 

لن يتم خلالَ هذه المرحلة تحرير المخالفات، فالتجربة تهدف في المقام الأول إلى رصد مواضع الخلل في المنظومة وإصلاحِها. لذلك، ستكتفي السلطات بمراقبة السائقين وإعلامهم بالإجراءات الجديدة عبر حملةٍ خاصةٍ وشاخصاتٍ مرورية، مع استثناءاتٍ لبعض أنواع المركبات. وفي نهاية هذه المرحلة، سيتمكن الفريق التنفيذيُّ من تحديد الأسباب الرئيسية للضجيج في العاصمة استعداداً للمرحلة الثانية التي ستبدأ بمجرد تركيب كاميرات مراقبة السرعة، حيث سيواجه السائقون المخالِفون غراماتٍ قد تصل إلى 135 يورو.

تنطلق التجربة في 7 أقاليم اختيرَت من بين الوحدات الإدارية التي تطوَّعت للمشاركة. وقد راعت السلطات تنويع البيئات والمجتمعات المحلية التي ستشملها التجربة، فتضمنَّت مناطق حَضَريةً وهي “باريس” و”نيس” و”تولوز”، وأخرى شبه حَضَريةٍ مثل بلديات “برون” و”فيلنوف لو روي” و”رويل مالميزون”، وثالثةً ريفيةً خالصة، وهي بلدية “أوت فاليه دو شوفروز”. بيدَ أنّ الرادارات لن تغطي منطقةً بالكامل، بل ستنتشر في بعض المواقع المُحددة على الخريطة.

وللحدِّ من عدد السيارات ومواجهة تلوُّثِها السمعيِّ والبيئيّ على حدٍّ سواء في العاصمة، خفّضت سلطات باريس الحدّ الأقصى للسرعة المسموح بها إلى 30 كيلومتراً في الساعة، وبدأت تطبيقَ هذا القرار في حوالي 60% من شوارعِها بعد استثناء الطرق الدائرية الرئيسية والطرق السريعة. 

وقد برزت تساؤلاتٌ حول سبب اختيار طريقٍ يستخدمه الدرّاجون للتجربة الأولى، واحتجّ البعض على تركُّز التجربة الموسَّعة في الطرق الشائعة للدراجات النارية، فبيّن المسؤولون أنّ ذلك ليس مُتعمَّداً، وأنّ التجربة لا تستهدف أي فئة، بل تسعى لاتخاذ إجراءاتٍ صارمةٍ ضدَّ المركبات التي تصدر الضوضاء أياً كان نوعُها.

في السياق نفسِه، لم ينجُ تقييدُ الحدود القصوى للسرعة من الانتقادات، فكان ردُّ الحكومة بأن لجأت إلى إشراك المجتمعات المحلية في تحديد اتجاهات التجربة، حيث أجرت استطلاعاً أظهرَ أنّ 59% من سكان العاصمة يؤيدون القرارات الجديدة، وبيَّنت أنّ خطوتَها هذه تأتي تماشياً مع نداء منظمة الصحة العالمية الداعي لفرضِ قيودٍ صارمةٍ على السرعات في المدن.

أما تشغيلياً، فلقد شكَّك البعض في قدرة الجهاز على التعامل مع ظروفٍ معقَّدةٍ مثل تحديدِ المركبة المخالفة أثناء مرور العديد منها من نقطةٍ واحدةٍ في الوقت نفسِه، أو عزلِ الظروف الفيزيائية المؤثرة على شدة الصوت مثل القرب من الأسطح العاكسة الصلبة، فهي تتسبب بتردد صدى الأصوات على الجدران أو الأنفاق أو الشاحنات الكبيرة المارّة بالقرب منها. هذه الأسئلةُ وغيرُها تشير إلى أنّ هامش الخطأ قد يكون كبيراً، وأنّ النظام قد يحرِّر مخالفاتٍ جائرةً بحقِّ السائقين.

وتأمل الحكومة الفرنسية أنّ هذه الخطوة ستسهِّل رصدَ السلوكيات التي تزيد التلوث السمعي، وأنَّ تقييد الحدود القصوى المسموح بها للسرعة سيساهم في زيادةِ السلامة المرورية، وتوسيعِ المساحة المخصصة للدرّاجين، والحدِّ من الضوضاء وتبعاته الصحية والمساعدةِ في مواجهة تغيُّر المناخ.

ويبقى هدفُ التجربة تقييمَ كلِّ هذه الآثار والتحديات لاتخاذ القرار بشأن سنِّ التشريعات اللازمة لنشر الابتكار على امتداد البلاد.

المراجع:

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
اشترك في النشرة الإخبارية لمنصة ابتكر
القائمة البريدية للمبتكرين
تصل نشرتنا الإخبارية إلى أكثر من 30 ألف مبتكر من جميع أنحاء العالم!
اطلع على النشرة الإخبارية لدينا لتكون أول من يكتشف الابتكارات الجديدة و المثيرة و الأفكار الملهمة من حول العالم التي تجعلك جزءاً من المستقبل.
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

إعادة تصميم الراحة: زيٌّ موحّدٌ جديدٌ للبحّارة الأنثى

في البحرية الأمريكية، إحدى أكثر بيئات العمل تطلّباً للدقة والكفاءة، رصدت الإدارة شعور العاملات بالتقييد في الزيّ الرسميّ الموحّد، فشرعت في مهمة طموحةٍ لإعادة تصميمه وفق نهجٍ مبتكرٍ مدفوعٍ بالشمولية والبيانات، بحيث يلائم احتياجاتهنّ وطبيعة مهامهنّ ويبقى شعاراً للاحترافية والهوية والوحدة.

 · · 8 أكتوبر 2025

مطعم الطلبات الخاطئة … أفكار مثيرة للجدل حول الخَرَف في اليابان

في قلب طوكيو، افتتحُ مبتكِرون مطعماً يُسمح فيه للنادل بأن يقدّم للزبائن أطباقاً غير التي طلبوها، بل وتلاقي هفوتُه هذه الترحابَ وتُقابَل بالضحكات، لأنّ هذا النادل هو مسنٌّ يعمل في "مطعم الطلبات الخاطئة"، الذي يطلق مفهوماً ثورياً ويتحدّى الأعراف المجتمعية، ويعزّز فهم المجتمع للخَرَف وتقبُّلَه له من خلال تجربة طعامٍ قلّ نظيرُها.

 · · 23 سبتمبر 2025

كيف تساعد التكنولوجيا في تتبّع رسوم الجدران للحدّ من جرائم الكراهية في كندا

في عصرِ الفنّ الحرّ، يمكن للمنتَجِ الإبداعيّ أن يكون ملهِماً للسلام أو رمزاً للتعصّب. وفي كندا التي تفاخرُ العالمَ بتنوّعها، لا يمكن السماح للكراهية بالتمدّد، وإن كانت ضمن إطارٍ فنيّ. لهذا، أطلقت مدينة إدمنتون مبادرةَ "المنارة" التي تسخّر قوة التكنولوجيا لرصد أيّة تعبيراتٍ عن الكراهية والحدّ منها.

 · · 23 سبتمبر 2025

القصص لرصد منجزات التنمية البشرية في الهند

قامت وكالة رصد الفقر والتنمية البشرية الهندية بتغيير وسائل جمع البيانات، لتبني فهماً حقيقياً عن حياة الناس الذين يقفون خلفها، فتجمع القصص والدلائل البصرية وتحلل البيانات وتوحّد أصحاب المصلحة، لتؤسس نهجاً جديداً في التنمية البشرية.

 · · 23 سبتمبر 2025

الأسلوب المرن … تصوّرٌ جديدٌ للخدمات الحكومية

لأنّ الخدمات الحكومية أعقدُ بكثيرٍ مما تبدو، قررت مدينة "غيتسهيد" الإنجليزية خوض تجربة جريئة تضع العلاقات والتفاهم الإنساني في الصدارة، بدلاً من التركيز على الكفاءة التقليدية. وقد أطلقت على تحولها الجذري هذا اسم "الأسلوب المرن".

 · · 9 سبتمبر 2025
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right