طرق سريعة للدراجات… نحو تنقّل أوروبي أكثر صحة ونظافة

طرق سريعة للدراجات… نحو تنقّل أوروبي أكثر صحة ونظافة

1 دقيقة قراءة
استجابةً لرواج الدراجات الهوائية في المدن الأوروبية الكبرى، تعمل حكومات ألمانيا وهولندا وبلجيكا والنمسا على مدّ طرقٍ سريعةٍ خاصةٍ بالدراجات، لتقدِّم لمواطنيها تجارب أكثر راحة وأماناً، وتخفّف انبعاثات الغازات الدفيئة، وتجعل مفهوم التنقّل النشط أكثر جاذبية للجميع.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

استجابةً لرواج الدراجات الهوائية في المدن الأوروبية الكبرى، تعمل حكومات ألمانيا وهولندا وبلجيكا والنمسا على مدّ طرقٍ سريعةٍ خاصةٍ بالدراجات، لتقدِّم لمواطنيها تجارب أكثر راحة وأماناً، وتخفّف انبعاثات الغازات الدفيئة، وتجعل مفهوم التنقّل النشط أكثر جاذبية للجميع.

شهدت السنوات الأخيرة إقبالاً كبيراً على استخدام الدراجات الهوائية، إذ بدأ الناس يدركون أن المدن لن تستطيع مواصلة النمو لاستيعاب مزيد من السيارات، وأن البيئة لن تقدر على احتمال تأثيرها. إدراكٌ مهّد الطريق لحدوث “طفرة الدراجات الأوروبية”.

إلى جانب الاعتبارات البيئية، أسهمت عوامل عديدة في حدوث هذه الظاهرة، أبرزُها جائحة كوفيد-19، فحين بلغ انتشارُها ذروتَه في العام 2020، أحجم ملايين الأوروبيين عن استخدام وسائل النقل العامة والاعتماد على الدراجات. وبعد أقلّ من عامين، جاءت أزمة الطاقة وارتفاع أسعار الوقود التي دفعت بضعة ملايين آخرين إلى التخلي عن سياراتهم واستبدالها بالدراجات.

لكنّ الطموحاتِ باقتصادٍ حيويٍّ ومواطنين أكثر صحةً وسعادةً وبيئةٍ أنظف، لن تكتمل على الطرق التقليدية حيث تتزاحم وسائل النقل كلُّها، ولا بدّ من الاستثمار في بنى تحتية آمنة ومتصلة لراكبي الدراجات، وشوارع بتصاميم حديثة قادرة على استيعاب أعدادهم المتزايدة.

من هنا، وُلدت فكرة “الطرق السريعة للدراجات” التي يمكن تعريفُها بأنّها مسارات وظيفية عالية الجودة خاصة بالدراجات فقط، تربط الناس بالنقاط الحيوية أو تصل بين المناطق السكنية والتجارية، بحيث تكوِّن شبكة من الطرق الفرعية التي تلتقي في خط رئيسي.

احتضنت هولندا أولى التجارب الأوروبية، ووضعت استراتيجيتها الوطنية للدراجات منذ العام 1990، وأنشأت منذ ذلك الحين العديد من مسارات الدراجات تغطّي اليومَ أكثر من 35 ألف كيلومتر، وهذا رقمٌ كبير بالنظر إلى طول شبكة الطرق في البلاد، والتي لا تتجاوز 140 ألف كيلومتر. وفي طرقٍ أخرى، تُعطى الأولوية للدراجات على حساب السيارات، وتُوزّع لافتاتٌ تحمل عبارة “السيارات ضيوف هنا” للتأكيد على هذه الفكرة.

يُعدّ طريق “ريجن – والباد” أحد أبرز طرق الدراجات الهولندية، وقد افتتحته بلديتا المدينتَين الكبيرتَين بالتعاون مع الحكومتَين الوطنية والإقليمية. يمتدّ الطريق لـ17 كيلومتراً، ويتخلّله نفقان وجسر وتحيط به الحدائق، وقد بلغت ميزانيته 17 مليون يورو.

المجتمع الألمانيّ أيضاً أسّس علاقةً متينةً مع الدراجات الهوائية عبر عقودٍ طويلة. وبينما تحاول الحكومة الإيفاء بالتزاماتها إزاء تغيّر المناخ، أطلقت عدة مبادرات لتحسين شبكة طرق الدراجات، ففي العاصمة برلين، بدأ مدُّ طريقٍ بطول 38 كيلومتراً يصل الطرفَين الشرقيّ والغربيّ للمدينة ويتيح الوصولَ المباشر لقرابة 513 ألف شخص. وتشير دراسة الجدوى إلى أنّ راكب الدراجة سيحتاج ساعتين ونصف لعبور الطريق بأكمله بسرعة متوسطة. وفي هامبورغ، تنشئ الحكومة المحلية طريقاً يربطها بجارتها، وسيتميز بقدرة استيعاب كبيرة وعرضٍ يقارب 4 أمتار. أما في ميونخ، فقد طالب المواطنون السلطات بتوسيع البنى التحتية الخاصة بالدراجات، وعقب إجراء دراسة الجدوى، استجابت المدينة لطلبهم بأن أعلنت عن بناء 6 طرقٍ سريعةٍ للدراجات بالإضافة لطريق دائريّ حول مركز المدينة، وسينطلق أول الطرق من قلب ميونخ ليغطي مسافة 9 كيلومترات، بعرض 2.3 متر، على أن ينتهي تنفيذ المشروع في العام 2025.

في العام نفسِه، ستضع بلجيكا اللمسات الأخيرة على طريق الدراجات الجديد الذي سيربط مدينة لوفين في فلندرز ببروكسل، عاصمة البلاد، تلبيةً لحاجة المواطنين الذين يقطنون الأولى ويعملون في الثانية.

وكانت النمسا أيضاً من الدول التي اختارت التوسع في منظومة النقل النشط، حيث أعلنت سلطات العاصمة مؤخراً إطلاق مشروع مدتُه عامان لمدّ أول طريق سريع للدراجات، وسيكون بطول 7 كيلومتراتٍ وعرض 4 أمتار، محاطاً بالمساحات الخضراء مع لافتاتٍ تحمل شعار “اهجروا الأسفلت”. وقد اختير هذا الطريق بناءً على إحصائيات العام الفائت التي أشارت إلى أنّ 1.3 مليون شخصٍ يعبرونه، كما أنّه ملائم لتركيب أنظمة مائية لتبريد الهواء. ويأتي هذا المشروع كجزءٍ من “استراتيجية المدينة الذكية مناخياً”، التي ستعمل لتأمين جودة حياة مرتفعة، والحفاظ على الموارد، والحدّ من الانبعاثات، ومقاربة القضايا الاجتماعية بشكل يضمن الوصولَ العادل للحياد المناخيّ.

ولأنّ هذه المشاريع تستهدف البنية التحتية وإعادة تصميم المدن، فهي تحتاج مساحاتٍ أوسع وتمويلاً ضخماً، ما قد يثقل كاهل الحكومات، فهي ستستلزم أيضاً مواقف خاصةً وإشارات مرورٍ وتهيئة الطرق لمواجهة الظروف الجوية القاسية التي تعوق حركة الدراجات وتسبب الانزلاقات والحوادث.

سيساهم المشروع النمساويّ في تخفيف ظاهرة الجزر الحرارية وانبعاثات الغازات الدفيئة، في حين تطمح وزارة النقل والأشغال العامة وإدارة المياه الهولندية إلى تعزيز استخدام الدراجات ومنع الاختناقات المرورية. بدوره، يهدف المشروع البلجيكي إلى توفير رحلات أكثر راحة وأماناً بين مدينةٍ وأخرى، لا ضمن البلدة نفسها.

أما ألمانيا، فاستطاعت صياغة تطلُّعاتها بالأرقام، وتقدِّر أنّ طريق العاصمة سيجذب 7 آلاف راكب دراجةٍ جديد ويوفّر سنوياً حوالي ألف طنٍّ من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، ويقدّم بديلاً عن وسائل النقل التقليدية.

المراجع:

https://transport.ec.europa.eu/transport-themes/clean-transport-urban-transport/cycling/guidance-cycling-projects-eu/cycling-measures/13-cycle-highways_en

https://www.themayor.eu/en/a/view/vienna-is-building-its-first-cycling-mega-highway-9885

https://ecf.com/news-and-events/news/new-survey-people-cycle-most-where-they-feel-its-safe

https://www.euronews.com/next/2022/09/17/the-worlds-cycling-nation-how-the-netherlands-redesigned-itself-as-a-country-fit-for-bikes

https://rwsenvironment.eu/subjects/sustainable-mobility/toolbox-smart-mobility-management/bicycle/map/case-study-bicycle-infrastructure-rijnwaalpad/

https://www.forbes.com/sites/tanyamohn/2022/03/10/cycling-in-europe-aims-to-get-even-better/?sh=220fc5004edc

https://www.themayor.eu/en/a/view/munich-if-you-sow-cycle-highways-you-reap-cyclists-10444

https://www.themayor.eu/en/a/view/brussels-to-leuven-cycling-highway-ready-in-2025-11031

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
اشترك في النشرة الإخبارية لمنصة ابتكر
القائمة البريدية للمبتكرين
تصل نشرتنا الإخبارية إلى أكثر من 30 ألف مبتكر من جميع أنحاء العالم!
اطلع على النشرة الإخبارية لدينا لتكون أول من يكتشف الابتكارات الجديدة و المثيرة و الأفكار الملهمة من حول العالم التي تجعلك جزءاً من المستقبل.
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

جنوب أفريقيا تعيد النظر في خطط التوظيف للشباب

مع تفاقم مشكلة بطالة الشباب، رأت حكومة جنوب أفريقيا أنّ الأمر يستدعي منظوراً جديداً عند تصميم برامج التوظيف، بحيث لا تتوقف عند حدود المشكلة المباشرة، بل تمهّد الطريق للتنمية الاجتماعية والنموّ الاقتصادي طويل الأمد.

 · · 9 سبتمبر 2025

تجربة “ريجيو الإسبانية” – تصميم المدرسة المستدامة

في قلب مدريد، عاصمة إسبانيا، ظهر مشروعٌ تعليميٌّ رائدٌ يتحدّى المفاهيم التقليدية لتصميم المدارس ويقدّم مقاربةً جديدةً للاستدامة. مدرسة "ريجيو" التي انطلقت لتعيدَ تعريف الممارسات المعمارية وتدمج فلسفةً تعليميةً فريدةً تضع الأطفال في قلب رحلة التعلّم، وتجمع التعليم بالابتكار والاستدامة.

 · · 22 يوليو 2025

مكتبة المائة عام في النرويج

في عالم الفن والأدب، تبرز مبادرة "مكتبة المستقبل" كمشروع فريد من نوعه. مشروعٌ طموحٌ انطلق في العام 2014، على أن يستمر قرناً من الزمن، يكوِّن خلالها كبسولةً زمنيةً أدبيّةً تجمع نتاجَ خيرة الكُتّاب، لتكشف العاصمة النرويجية، أوسلو، النقابَ عنها في العام 2114، شرطَ أن تجتاز تحدّيات التغيّرات البيئية والمجتمعية.

 · · 22 يوليو 2025

عيون في السماء … تقدّمٌ في اكتشاف حرائق الغابات باستخدام المناطيد

مع تزايد وتيرة حرائق الغابات وشدَّتِها، حلّقت الحلول المبتكَرة، بالمعنى الحرفي للتحليق، إذ برزَ استخدامُ المناطيد المزودة بمستشعِراتٍ متطورّة ترصد المناطق من علوّ وتجمع البيانات الحية، وتغيّر بذلك أسلوب التعامل مع الحرائق.

 · · 22 يوليو 2025

تمكين النساء وتخفيض النفايات الغذائية في مدينة راوركيلا في الهند

غالباً ما تكون البساطة هي السمة المميّزة للحلول المبتكرة الجيدة الهادفة إلى تحسين حياة الناس وتمكينهم في المجتمعات المهمّشة، ناهيك عن أنها تتطلب مستوىً عالياً من الالتزام والثقة وروح التعاون لتجاوز التحديات، والتأقلم مع الصعوبات، وتبني المبادرات بشكل يؤدي إلى نجاحها. ينطبق هذا على مشروع بلديّة راوركيلا في شمال الهند، لمساعدة صغار بائعات المنتجات الزراعية على الحفاظ على منجاتهنّ من التلف وتجنيبهنّ الخسائر التي تنعكس سلباً عليهنّ وعلى أسرهنّ.

 · · 18 يونيو 2025
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right