ريو دي جانيرو تضع خريطة رقمية لأكبر العشوائيات البرازيلية

ريو دي جانيرو تضع خريطة رقمية لأكبر العشوائيات البرازيلية

1 دقيقة قراءة
صوبَ تغيير واقع "أحياء الصفيح" في البرازيل، بدأت سلطات ريو دي جانيرو رسم خريطة رقمية لحيّ روسينها عبر تقنية المسح الضوئي ثلاثيّ الأبعاد، لجمع بيانات دقيقة عن هذه العشوائيات قبل الشروع بإعادة تشكيلها.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

صوبَ تغيير واقع “أحياء الصفيح” في البرازيل، بدأت سلطات ريو دي جانيرو رسم خريطة رقمية لحيّ روسينها عبر تقنية المسح الضوئي ثلاثيّ الأبعاد، لجمع بيانات دقيقة عن هذه العشوائيات قبل الشروع بإعادة تشكيلها.

لطالما جذبت الفرص والأنماط الاجتماعية التي تَعِدُ بها المدن، الناسَ من خلفياتٍ متباينة مادياً وثقافياً وتعليمياً. ولهذا، تعدّدت عوالمُها، وتنامى على تخومِ مراكز المدن الكبرى، واقعٌ موازٍ فيما يُعرف بـ”أحياء الصفيح” التي يعيش فيها أكثر من ملياري إنسان.

قد تكون البرازيل أولَ بلدٍ يتبادر إلى الأذهان عند ذكر هذه الظاهرة، ولا عجب في هذا، فقد انتشرت هذه الأحياء فيها منذ القرن التاسع عشر حين بدأ المهاجرون الداخليون بالانتظام في تجمّعاتٍ سكنيةٍ تتسم بنوعٍ من الاستقلالية في تلبية الاحتياجات التي تعجز عنها الحكومة، عن طريق المنظّمات الأهلية تارةً، والحلول البدائية والمُرتجَلة تارةً أخرى.

اليوم، أصبحت هذه العشوائيات مسكنَ 6% من البرازيليين، وهذا يعني 11.25 مليون شخصٍ وفقاً لإحصائيات العام 2010. كما بيّنت التقارير الأخيرة أن 65% من هؤلاء أصبحوا جزءاً من الطبقات المتوسطة الجديدة التي نشأت في البرازيل، وأنّ حياتهم – رغم تواضع دخلهم – ليست بالفقر والبؤس اللذَين نتخيَّلُهُما.

يحمل أكبرُ هذه الأحياء اسمَ روسينها، وتتزاحم بيوتُه المبنية من الطوب والإسمنت على تلةٍ في مدينة ريو دي جانيرو. وفي حين تشير السجلّات الرسمية إلى أنّه يؤوي 70 ألف شخص، تؤكّد تقديرات أخرى أنّ عدد سكانه ينوف عن 100 ألف نسمة. اليوم، تعمل مدينة ريو دي جانيرو مع مختبر مدينة سينسابل التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا على رسم أول خريطةٍ رقميةٍ تشمل روسينها بالكامل.

ولكنّ الملفت هو أنّ السكان يتباينون في مستويات المعيشة حتى ضمن روسينها، فمن يعيشون أعلى التل يضطرون للسير للوصول إلى منازلهم ويعانون صعوباتٍ جمةً في الوصول إلى الوظائف والخدمات.

كغيرها من الحكومات، لم تفلح جهود الحكومة البرازيلية في القضاء على العشوائيات، فالهجرة المتسارعة صوب المدن كانت أسرع من كلّ مشاريع القرن العشرين.

تحظى معظم منازل الحي بالكهرباء والمياه الجارية، لكنّ الصرف الصحيّ يتدفّق باستمرار من خلال قناة كبيرة تمرّ عبر شوارع مزدحمةٍ مليئةٍ بالنفايات لا تحمل أسماءً ولا أرقاماً. وإلى جانب هذه المخاطر الصحية، يتكامل تواضع الإدارة الحكومية لهذه المناطق، مع شحّ الفرص الاقتصادية والفصل الاجتماعيّ، تاركين سكان أحياء الصفيح ضحايا ظروف المعيشة القاسية وانتشار الأمراض والعنف المتكرر. بالنتيجة، بلغ متوسط العمر المتوقع للسكان في هذه الأحياء 48 عاماً، أي أقل بـ 20 عاماً من المتوسط الوطنيّ.

ومن هنا انطلقت الحاجة إلى مشروع يهدف لتقديم فهم أوضح وأدق عن هذه الأحياء. يحمل المشروع اسمَ أحياء الصفيح رباعية الأبعاد، وهو يهدف إلى دراسة الشكل الحَضَريّ من منظورٍ كمّيّ عبر استخدام تقنيات تحليل البيانات لوصف الجوانب المورفولوجية أو التشكُّلية ووضعها ضمن خرائط.

بعبارةٍ أبسط، فقد وضع الباحثون نموذجاً افتراضياً للمنطقة باستخدام تقنية تحديد المدى عن طريق الضوء (الليدار)، وهي تقنية مسحٍ ليزريٍّ ثلاثية الأبعاد، تقوم بإرسال نبضاتٍ من الأشعة تحت الحمراء ثم تقيس المدة التي تستغرقها هذه النبضات لترتدّ عن الأجسام المُستهدفة، فيكون الناتجُ تمثيلاً دقيقاً للبيئة المبنية مهما بلغت من التعقيد، وهو ما نسميه بالخريطة متعددة الأبعاد.

للوصول إلى هذه المرحلة، جالت الفِرَق الميدانية أزقّة روسينها بماسحاتها الضوئية التي تخزّن معلومات كلّ موطئِ قدمٍ على مساحة 1.5 كيلومترٍ مربّع. ووفق وتيرة العمل الحالية، يتم
إنشاء حوالي 300 ألف نقطة بياناتٍ كلَّ ثانية، بحيث لن تتجاوزَ كلفة عمليات المسح برمتها 60 ألف دولار، والتي سيتم تعويضُها سريعاً بما ستتيحُه الخريطة من خدماتٍ للسكان.

يتم تحليل البيانات على مستويَين، الأول يقارن بين شوارع أحياء الصفيح، والثاني يدرس الاختلافات المورفولوجية ضمنَ كلِّ شارعٍ وفق 5 عوامل، وهي عرضُ الشارع وعلوُّه وكثافةُ واجهاتِه وارتفاعاتُها ونسبةُ هذه الارتفاعات إلى أبعاد الشارع.

وقد كشفت هذه الجهود العديد من المشكلات التي تواجه هذه الأحياء على مستوى البنية التحتية، مثل تجارة العقارات بسبب محدودية حيازة الأراضي، وخطر الانهيارات الأرضية، وتدنّي جودة الهواء والماء.

من الجدير بالذكر أنّ التجربة البرازيلية قد استمدّت الإلهام من النموذج الذي أطلقته كولومبيا مطلعَ القرن لبناء شبكة تلفريك وإدماج أبناء هذه المجتمعات عبر افتتاح المكتبات والحدائق العامة في أحيائهم. وقد ترسّخت هذه المقاربة كمعيارٍ ذهبيٍّ لالتزام الحكومات بخدمة مجتمعاتها دون استثناء، وانتشرت في أمريكا اللاتينية ومنها إلى العالم.

لا يتعدّى هذا المشروع كونَه خطوةً بسيطةً لحلِّ مشكلةٍ متجذِّرةٍ، ولا بدّ من التفكير بمسبِّباتها الأولى، من عدم المساواة الاجتماعية مروراً بالهجرة غير المنتظمة التي تتسارع اليوم إثر تغيّر المناخ. بالتالي، تحتاج الحكومات استراتيجياتٍ أكثر شمولاً، وعليها تخطيط البيئات الحَضَرية لتكون أقدرَ على استيعاب الفئات المجتمعية المختلفة، ولتتيحَ خياراتِ إسكانٍ ميسورةً للجميع.

كما ستثير عمليات المسح هذه مخاوفَ مشروعةً بشأن خصوصية البيانات، وهي مسألة تتطلب اهتماماً إضافياً من السلطات لتأسيس القبول لدى سكان الحيّ، لا سيما أنّ الخريطة ستساعد في تحسين ظروفهم المعيشية ووصولهم إلى الخدمات العامة، وستسهِّل إنشاء سجلات المُلكية وتختصرُ ما تحتاجُه من وقتٍ وكلفة.

ستقدّم هذه الجهود مورِداً وفيراً لكلّ ما يتعلق بالعشوائيات، وستكشف تفاصيلَها وأنماط بنائها، وهذا ما سيفيد الباحثين والدارسين في مجالات مختلفة كالتنمية وعلم الاجتماع والعمارة، وستوفّر أيضاً أرضيةً متينةً من المعلومات التي يمكن لصنّاع القرار العودة إليها في تخطيط السياسات المستقبلية وبناء مدنٍ أكثر صحة.

المراجع:

https://www.weforum.org/agenda/2022/08/mit-favelas-brazil-lidar/

https://worldarchitecture.org/article-links/evpem/mit-senseable-city-lab-reveals-favelas-4d-project-a-digital-map-analyzing-brazil-s-favelas.html

https://www.technologyreview.com/2021/04/28/1022742/rio-de-janeiro-digital-map-favelas-rocinha-brazil-cities/?utm_source=pocket_mylist

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
اشترك في النشرة الإخبارية لمنصة ابتكر
القائمة البريدية للمبتكرين
تصل نشرتنا الإخبارية إلى أكثر من 30 ألف مبتكر من جميع أنحاء العالم!
اطلع على النشرة الإخبارية لدينا لتكون أول من يكتشف الابتكارات الجديدة و المثيرة و الأفكار الملهمة من حول العالم التي تجعلك جزءاً من المستقبل.
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

لعبة الاختلاف … ابتكارٌ في اليابان يوقظ الإبداع البشريّ في وجه الخوارزميات

في عالمٍ يتنامى فيه حضور الذكاء الاصطناعيّ باستمرار، تقف لعبة الاختلاف شاهداً على القوة الدائمة للإبداع والتعبير البشري، من خلال تشجيع الأفراد على التفكير خارج الصندوق والإبداع بطرائق لا يمكن للذكاء الاصطناعي تقليدُها. لا يسلّط هذا المشروعُ الضوءَ على قيود التكنولوجيا فحسب، بل ويحتفي بالجوهر البشريّ الذي لا يمكن الاستغناء عنه.

 · · 8 أكتوبر 2025

الناتج المحلي الإجمالي الجديد … أداة بيانات للرصد الحيّ لحالات عدم المساواة

تجربةٌ يرى فيها الخبراء القلبَ النابضَ للاقتصاد بصورةٍ مباشرة، فلا يفهمون مقدار نموّه فقط، بل ومَن يستفيد من هذا النموّ كذلك. هذا مشروعٌ أمريكيٌّ يزوّد صنّاع السياسات بالأدوات اللازمة لرصد الفوارق بين الناس ومعالجتها في الوقت الحقيقيّ، عبر ابتكارٍ رائدٍ يتحدّى المنهج التقليدي في قراءة المشهد الاقتصاديّ.

 · · 8 أكتوبر 2025

تسريع الاكتشاف العلمي باستخدام الذكاء الاصطناعي

مع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي وأدواته، هل ستُحدِث تطبيقاته ثورةً في العلوم التطبيقية؟ تطبيقات تستفيد من نماذج اللغة الكبيرة، والخوارزميات المتقدّمة، لتسريع عجلة الاكتشافات العلمية وأتمتة المهام الروتينية وتوليد فرضياتٍ جديدةٍ باستمرار.

 · · 21 أغسطس 2025

الذكاء الاصطناعي الدستوري التشاركي … مواءمة الذكاء الاصطناعي مع مُدخلات الجمهور

بعد أن ترسّخ الذكاء الاصطناعيّ عنصراً أساسياً في حياة البشر، عليه أن يتمثَّل مبادئهم. من هذه الفكرة، انطلق مشروع الذكاء الاصطناعيّ الدستوريّ التشاركيّ في أمريكا، ليوائمَ سلوك الذكاء الاصطناعيّ مع القيم المجتمعية.

 · · 21 أغسطس 2025

من السماء إلى التربة: خوارزميات التعلُّم الآليّ والأقمار الصناعية لتطوير الزراعة الأفريقية

إزاءَ التحدّيات المناخيّة والغذائيّة والديمغرافيّة المتصاعدة، أطلق برنامج حصاد أفريقيا التابع لوكالة ناسا، مشروعاً يهدف إلى تحسين الممارسات الزراعيّة عبر الاستفادة من البيانات الحيّة وصور الأقمار الصناعيّة.

 · · 21 أغسطس 2025
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right