توظيف الذكاء الاصطناعي في بلجيكا للتصدي للتلوث الصوتي

توظيف الذكاء الاصطناعي في بلجيكا للتصدي للتلوث الصوتي

1 دقيقة قراءة
حددت بلدية جينك مصادر الضجيج العالي الناجم عن حركة السير بالعوادم المعدلة للمركبات والدراجات النارية بالدرجة الأولى، فضلاً عن بعض أنظمة محركات المركبات، والقيادة المتهورة، وأنظمة الصوت في المركبات. لكن للحصول على بيانات كمية يمكن الاعتماد عليها في اتخاذ القرارات للحد من الضجيج، تعاقدت البلدية مع شركة "نوكيا" لاختبار منصة رقمية ذكية طورتها الشركة مع مجموعة من شركات التكنولوجيا.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

ضمن إطار الشراكة بين القطاع الحكوميّ والخاص، أطلقت مدينة “جينك” البلجيكية مشروعاً تجريبياً يعتمد على الذكاء الاصطناعي لقياس معدلات الضجيج الصادر عن حركة السير في الشوارع المكتظة، بهدف معالجة مشكلة التلوث الصوتي الذي أصبح يشكل مصدراً للشكاوى المتزايدة من سكان المدينة وزوارها. 

يشكل التلوث الصوتي أو الضوضائي في المدن أحد التحديات الصحية والاجتماعية والاقتصادية كما تسبب ضرراً على صحة وسلامة الإنسان البدنية والنفسية. حيث تشير الدراسات الأكاديمية إلى أن تعرض الإنسان للضجيج الصادر عن حركة السير لفترات طويلة، خاصة في الليل، يسبب أرقاً وتقطعاً في النوم، وهذا بدوره يرفع مستويات الهرمون المسبب للتوتر وما يسمى بـ”الإجهاد التأكسدي”، وهما عاملان يسببان خللاً في عمل الأوعية الدموية وارتفاعاً في ضغط الدم، الأمر الذي يزيد من احتمالية الإصابة بأمراض القلب. إضافة إلى ذلك، تحذر “منظمة الصحة العالمية” (WHO) من مجموعة من الأمراض والاضطرابات الصحية الأخرى المرتبطة مباشرة بضجيج المركبات، مثل طنين الأذن، وضعف السمع، وتراجع في القدرة على التعلم والتركيز، وشعور عام بالتوتر. 

ومن ناحيتها، حددت بلدية جينك مصادر الضجيج العالي الناجم عن حركة السير بالعوادم المعدلة للمركبات والدراجات النارية بالدرجة الأولى، فضلاً عن بعض أنظمة محركات المركبات، والقيادة المتهورة، وأنظمة الصوت في المركبات. لكن للحصول على بيانات كمية يمكن الاعتماد عليها في اتخاذ القرارات للحد من الضجيج، تعاقدت البلدية مع شركة “نوكيا” لاختبار منصة رقمية ذكية طورتها الشركة مع مجموعة من شركات التكنولوجيا.

فتم تركيب منصة “تحليل المشهد” (Scene Analytics) من “نوكيا” في أحد الشوارع الرئيسية في المدينة، ويجري العمل حالياً على اختبار فعاليتها على أرض الواقع. وقد جرى تصميم هذه المنصة في إطار تقنية “إنترنت الأشياء”، فهي مرتبطة بشبكة من أجهزة الاستشعار التي تشمل ميكروفونات وكاميرات مثبتة في مواقع محددة في الشارع، كما أنها متصلة بالجهة الحكومية المعنية لتزويدها مباشرة بالبيانات. 

وعند تزايد شدة صوت أي مركبة عن حدّ معين، تبدأ الميكروفونات والكاميرات آلياً بتسجيل الحدث، وتقوم منصة “تحليل المشهد” بقياس وتحليل الصوت اعتماداً على خوارزمية خاصة قائمة على احتساب درجة ارتفاع الصوت، وتسجيل رقم المركبة من خلال تقنية التعرف الآلي على لوحة الأرقام (ANPR)، ثم تقوم المنصة بإرسال جميع البيانات إلى الدائرة المعنية لتكوين صورة واضحة مبنية على معلومات كمية موثوقة عن تفاصيل ومصدر الحدث، لكي يتم النظر في اتخاذ السياسات المناسبة وتطوير الخطط للحد من مصادر الضجيج على مستوى المدينة. 

تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي يتم اختبارها في “جينك”، تشمل أيضاً ما يسمى بتقنيات “رؤية الحاسوب” (computer vision) القادرة على التعرف آلياً على محتوى الصور ومقاطع الفيديو وتحليلها والتنبيه بالمخاطر، ويمكنها التعامل مع آلاف الصور والأفلام وبثها للمسؤولين في الوقت الفعلي. 

ويذكر أن حركة السير في “جينك” تعد مرتفعة نظراً لكونها مدينة صناعية، ولكن هذا الوضع ليس محدوداً بالمدينة فقط. حيث تفيد منظمة الصحة العالمية بأن نحو 113 مليون شخص من سكان المنطقة الاقتصادية الأوروبية يتعرضون ليلاً ونهاراً للتلوث الصوتي الناجم عن حركة السير في الشوارع بمستوى يزيد عن 55 ديسيبل، وهو الحد الأدنى لظهور الآثار السلبية للضجيج، بينما يبلغ عدد سكان المنطقة الذين يتعرضون لمستوى ضجيج يفوق 65 ديسيبل نحو 36 مليون. وتوصي منظمة الصحة العالمية، والتي تصنف التلوث الصوتي بأنه أكثر العوامل البيئية ضرراً بالإنسان في أوروبا بعد تلوث الهواء، بألّا يتجاوز مستوى الضجيج 30 ديسيبل لضمان نوم هادئ وسليم للمواطنين.

ومن هذا المنطق، يعقد مجلس بلدية “جينك” آمالاً كبيرة على نجاح التجربة، كما يرى أن التكنولوجيا بشكل عام قادرة على توفير حلول لعدة تحديات تواجه المدن الذكية. وكانت بلجيكا قد أجرت تجارب سابقة في مدن أخرى لمحاولة إيجاد حلول مناسبة لمسألة ضجيج حركة السير، ولكن مدينة “جينك” هي الأولى في الاستعانة بالذكاء الاصطناعي. وهناك العديد من المبادرات التي أطلقتها دول أوروبية أخرى تسعى إلى إيجاد حلول مماثلة. ففي فرنسا، على سبيل المثال، قدّرت دراسة حديثة أن التكلفة الاجتماعية الناجمة عن التلوث الصوتي في البلاد تبلغ ما يقارب 156 مليار يورو (177 مليار دولار) سنوياً. بنت الدراسة تقديراتها على مختلف جوانب الحياة المتأثرة بالضجيج، مثل الصحة العامة، واضطرابات النوم والتراجع في الإنتاجية، وانخفاض قيمة العقارات في المناطق التي تشهد تصاعداً في مستوى الضجيج، وتراجع القدرة على التعلم والتركيز، وغيرها. 

كما تجدر الإشارة إلى نتائج إحدى الدراسات التي قامت بها مدينة روتردام في هولندا للحد من ضجيج حركة السير، والتي كشفت عن أن الأشخاص الذين كانوا السبب في 6000 مخالفة أو تجاوز لحدود ضجيج المركبات لم يتجاوز عددهم المئة – ما يعني أن مشكلة ضجيج المركبات يمكن حصرها بفئة صغيرة من السكان وهذا ساعد السلطات على تحديد سبل معالجة المسألة بشكل أكثر كفاءة.

وضمن الجهود المبذولة للحد من ضجيج حركة السير في أوروبا، تعمل السويد على اختبار نظام يقوم بإرسال إشارة صوتية عبر مذياع المركبات القريبة، تنبه سائقيها عند مرور مركبات الإسعاف أو تلك الخاصة بإطفاء الحرائق أو مركبات الشرطة، وذلك بغية خفض صوت صفارات الإنذار في الشوارع.

يجدر القول في النهاية أن المنصات الرقمية الذكية التي تجمع بين تقنيات مختلفة، مثل تلك التي يتم اختبارها في مدينة “جينك”، تفتح آفاقاً واسعة لاستخدامات متعددة، سواء في المرافق وقطاعات الخدمات العامة في المناطق السكنية أو الصناعية، وهي توفر للمدن الذكية حلولاً مرنة، مستدامة، وقابلة للتوسع في مواجهة العديد من التحديات. 

المراجع:

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
اشترك في النشرة الإخبارية لمنصة ابتكر
القائمة البريدية للمبتكرين
تصل نشرتنا الإخبارية إلى أكثر من 30 ألف مبتكر من جميع أنحاء العالم!
اطلع على النشرة الإخبارية لدينا لتكون أول من يكتشف الابتكارات الجديدة و المثيرة و الأفكار الملهمة من حول العالم التي تجعلك جزءاً من المستقبل.
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

لعبة الاختلاف … ابتكارٌ في اليابان يوقظ الإبداع البشريّ في وجه الخوارزميات

في عالمٍ يتنامى فيه حضور الذكاء الاصطناعيّ باستمرار، تقف لعبة الاختلاف شاهداً على القوة الدائمة للإبداع والتعبير البشري، من خلال تشجيع الأفراد على التفكير خارج الصندوق والإبداع بطرائق لا يمكن للذكاء الاصطناعي تقليدُها. لا يسلّط هذا المشروعُ الضوءَ على قيود التكنولوجيا فحسب، بل ويحتفي بالجوهر البشريّ الذي لا يمكن الاستغناء عنه.

 · · 8 أكتوبر 2025

الناتج المحلي الإجمالي الجديد … أداة بيانات للرصد الحيّ لحالات عدم المساواة

تجربةٌ يرى فيها الخبراء القلبَ النابضَ للاقتصاد بصورةٍ مباشرة، فلا يفهمون مقدار نموّه فقط، بل ومَن يستفيد من هذا النموّ كذلك. هذا مشروعٌ أمريكيٌّ يزوّد صنّاع السياسات بالأدوات اللازمة لرصد الفوارق بين الناس ومعالجتها في الوقت الحقيقيّ، عبر ابتكارٍ رائدٍ يتحدّى المنهج التقليدي في قراءة المشهد الاقتصاديّ.

 · · 8 أكتوبر 2025

تسريع الاكتشاف العلمي باستخدام الذكاء الاصطناعي

مع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي وأدواته، هل ستُحدِث تطبيقاته ثورةً في العلوم التطبيقية؟ تطبيقات تستفيد من نماذج اللغة الكبيرة، والخوارزميات المتقدّمة، لتسريع عجلة الاكتشافات العلمية وأتمتة المهام الروتينية وتوليد فرضياتٍ جديدةٍ باستمرار.

 · · 21 أغسطس 2025

الذكاء الاصطناعي الدستوري التشاركي … مواءمة الذكاء الاصطناعي مع مُدخلات الجمهور

بعد أن ترسّخ الذكاء الاصطناعيّ عنصراً أساسياً في حياة البشر، عليه أن يتمثَّل مبادئهم. من هذه الفكرة، انطلق مشروع الذكاء الاصطناعيّ الدستوريّ التشاركيّ في أمريكا، ليوائمَ سلوك الذكاء الاصطناعيّ مع القيم المجتمعية.

 · · 21 أغسطس 2025

من السماء إلى التربة: خوارزميات التعلُّم الآليّ والأقمار الصناعية لتطوير الزراعة الأفريقية

إزاءَ التحدّيات المناخيّة والغذائيّة والديمغرافيّة المتصاعدة، أطلق برنامج حصاد أفريقيا التابع لوكالة ناسا، مشروعاً يهدف إلى تحسين الممارسات الزراعيّة عبر الاستفادة من البيانات الحيّة وصور الأقمار الصناعيّة.

 · · 21 أغسطس 2025
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right