سيؤول تطمح أن تكون مدينة الروبوتات العالمية

سيؤول تطمح أن تكون مدينة الروبوتات العالمية

1 دقيقة قراءة
أمام ظاهرة شيخوخة السكان وانكماش الفئة العاملة، تتوجه حكومة العاصمة الكورية، سيؤول، إلى الروبوتات لسدّ فجوة العرض والطلب في الاقتصاد المحلي، فبدأت بتوظيف الروبوتات لتقديم الخدمات ودعم مشاريع مطوِّريها وإنشاء مركزٍ بحثيٍّ متخصِّصٍ لإجراء التجارب، لتكون بهذا مثالاً لدولةٍ تسخّر التكنولوجيا للتغلب على تحديات صعبة في رأس مالها البشري. غالباً ما تنتج أفضل الابتكارات عن […]
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

أمام ظاهرة شيخوخة السكان وانكماش الفئة العاملة، تتوجه حكومة العاصمة الكورية، سيؤول، إلى الروبوتات لسدّ فجوة العرض والطلب في الاقتصاد المحلي، فبدأت بتوظيف الروبوتات لتقديم الخدمات ودعم مشاريع مطوِّريها وإنشاء مركزٍ بحثيٍّ متخصِّصٍ لإجراء التجارب، لتكون بهذا مثالاً لدولةٍ تسخّر التكنولوجيا للتغلب على تحديات صعبة في رأس مالها البشري.

غالباً ما تنتج أفضل الابتكارات عن الحاجة الملحّة لا الترف، وبالتالي فإن الدول التي تواجه أكبر التحدّيات تكون مؤهَّلة للخروج بأذكى الحلول عند توافر البيئة الداعمة للابتكار.

تمثل كوريا الجنوبية أحد أبرز الأمثلة على ذلك، حيث لديها احتياجاتها المجتمعية المتفرِّدة، وأبرزُها شيخوخة السكان، وانخفاض معدّل الخصوبة حتى أصبح الأدنى على مستوى العالم، إلى جانب تراجع نسبة الفئات القادرة على العمل أو الراغبة به، إذ تترفّع أعداد متزايدةٌ من الكوريين عن ممارسة العديد من المهن التي يصفونها بالصعبة أو الخطيرة أو غير مرغوبة اجتماعياً، ما جعل قطاع التصنيع في حالة اعتمادٍ متزايدٍ على العمالة الأجنبية.

وترى هيئة السياسة الاقتصادية في حكومة العاصمة، سيؤول، أنّ المدينة ستدخل طور “المجتمع المسنّ” بحلول العام 2025، وهي ظاهرة اجتماعية واقتصادية تتمثل في زيادة نسبة السكان المسنين في المجتمع مقارنة بغيرها من الفئات العمرية.

دفع هذا الواقع الاستثنائيّ حكومة سيؤول إلى البحث عن ابتكاراتٍ استثنائية، وخاصةً في ظلّ الواقع الجديد الذي فرضته جائحة كوفيد-19.

ومنذ العام 2008، بدأت حكومة كوريا الجنوبية بدراسة دور تكنولوجيا الروبوتات في تقديم حلٍ مبتكر، فتبنَّت سياساتٍ استباقيةً ووضعت الأسس القانونية وأنشأت مراكز بحثيةً متطورة ودعمت القطاع الخاص الديناميكيّ.

ضمن هذه الرحلة، وضعت الحكومة عدّة خططٍ لتعزيز استخدام الروبوتات، امتدّت آخرُها بين عامَي 2019 و2023، وخصّصت بموجبها أكثر من 100 مليون دولار أمريكيّ لإنتاج 1500 روبوت تُستخدم في مختلف الصناعات.

ولأنّ إيرادات سيؤول تمثِّل 18% من إجماليّ إيرادات كوريا الجنوبية في مجال الروبوتات، فهي تنوي أن تكون أكبر سوقٍ للروبوتات الخَدَمية في البلاد، ولذلك وضعت خطةً شاملةً تستمرّ حتى العام 2026، تقارب ميزانيتُها 153 مليون دولار، وتتوزّع على 3 مجالاتٍ رئيسة، يركِّز أوَّلُها على الاستثمارات، ويهدف لتوفير الدعم الماليّ لتطوير الابتكارات واختبارها وإنتاجها وتسويقِها لدى الشركات العاملة في هذا الميدان، وخاصةً الناشئة منها.

أما المجال الثاني، فيتوجَّه إلى التعريف بخدمات الروبوتات في مرافق الرعاية الصحية والاجتماعية ومراكز الرعاية النهارية للأطفال، إلى جانب افتتاح مؤسّسات متخصّصةٍ بتثقيف العامة بهذه الابتكارات، مثل متحف علوم الذكاء الاصطناعيّ والروبوتات.

وأخيراً، هدف المجال الثالث إلى إنشاء “تجمُّع سوسيو للروبوتات” ليكون مركز المشاريع الناشئة في هذا المجال، ويدعم الإنتاج الضخم للنماذج الأولية وتصاميم السلامة والمصادقة على المنتجات، على أن يتمّ البدء ببناء مركز سيؤول لتكنولوجيا الروبوتات في العام 2026، حيث تقتضي الخطة أن يكون المشروع قد أهَّل 700 خبيرٍ في هذا التخصّص بحلول ذلك الوقت.

تتعدَّد أمثلة إدماج الروبوتات في الحياة اليومية وقطاعات الخدمات، ومنها استخدامها ضمن رياض الأطفال لتعليمهم المهارات الأساسية وقراءة الكتب على أسماعهم وتعزيز الإبداع لديهم.

وهذا لا يعني إهمال الأجيال الأكبر، على العكس، فثمة روبوتات مخصَّصةٌ للعمل مع المسنّين ومساعدتهم على التعامل مع الهواتف الذكية، فتشرح لهم برفقٍ كيفية استخدام البرامج المختلفة، وسيزداد عددُها من 240 إلى 500 بحلول العام 2026. كما يجري اليوم اختبار استخدام الروبوتات لتقديم خدمات التوصيل على أن تحصل – حال نجاح التجربة – على حقّ العمل قانونياً هذا العام، فكوريا الجنوبية ترى هذه الخطوة مجرّد تمهيدٍ للعصر المقبل الذي ستتولّى فيه الروبوتات هذه العمليات بالكامل، حتى أنّ وزارة التجارة والصناعة والطاقة تعتزم إطلاق الروبوتات الخاصة لمساعدة دوريات الشرطة الليلية في العام 2024، ونشرِها في الأماكن العامة كالمكتبات والمتاحف والحدائق لترحِّب بالناس وتمدُّهم بمعلوماتٍ عن المكان.

بقدر ما تبدو الصورة مبشِّرة، فهي تنطوي على تحدياتٍ اقتصاديةٍ لا يُستهان بها، أوّلها تهديد توظيف الروبوتات بالقضاء على مِهَنٍ كثيرة وتوسيع الهوّة الاقتصادية بين الناس، لكنّ سلطات سيؤول تسعى لردم هذه الهوّة عبر تهيئة الكوادر في هذا المجال المستقبليّ ليصبح سوقاً واسعةً وواعدةً للباحثين عن العمل والخبرة، وهذا يعني مقاربة قضية البطالة من جهة، وضمان جذب الخبرات للبقاء في ريادة سباق تكنولوجيا الروبوتات من جهةٍ أخرى.

من جانبه، يمثّل الشقّ القانونيّ تحدياً جماً، خاصةً فيما يتعلق بالمساءلة وانتهاك الخصوصية ومعايير السلامة. لهذا، تخطط سلطات العاصمة لافتتاح مركزٍ متخصِّصٍ بالأبحاث والاختبارات لتخرجَ عنه إجراءاتُ ممارسةٍ موحَّدةٌ تُبنى الأُطُر التنظيمية عليها، وهذا ما سيحقّق التوازن بين مواصلة الابتكار وحماية حقوق المواطنين.

وعندها، سيبقى أمام حكومة كوريا الجنوبية سوى تحدٍّ آخر، وقد يكون الأهم، وهو نظرة الناس لهذه الروبوتات وقبولُهم إياها، وهذا ما تسعى لمواجهته عبر المبادرات التوعوية وإفساح المجال للناس لخوض التجارب التفاعلية وبناء الثقة مع الروبوتات.

استخدام الروبوتات في مراكز الرعاية النهارية مثلاً يعني تهيئة جيل المستقبل للتعامل مع التكنولوجيا بوصفها جزءاً أساسياً من الحياة، مع الحرص على ألّا يبقى الجيل الأكبر متخلِّفاً عن الركب.

واليوم، تحتلّ كوريا المرتبة الأولى في العالم من حيث كثافة انتشار الروبوتات وفقاً لتقرير الاتحاد الدوليّ للروبوتات للعام 2021، حيث بلغت نسبتُها 10% قياساً إلى الموظّفين في قطاع التصنيع، وهذا أعلى بـ7 مراتٍ من المتوسّط العالميّ.

وتَعِد تكنولوجيا الروبوتات بفوائد متعدِّدة، من سدّ فجوة العمالة إلى تعزيز الإنتاجية وضمان الدقة في بعض القطاعات مثل التصنيع والرعاية الصحية، كما ترى فيها السلطات الكورية محرِّكاً لنموّ الصناعات المستقبلية وحلّاً للتحديات الاجتماعية الراهنة، وكلُّ هذا يعني المساهمة في بلوغِ نمط حياةٍ أكثرَ سلامةً ورفاهيةً للمواطنين.

المراجع:

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
اشترك في النشرة الإخبارية لمنصة ابتكر
القائمة البريدية للمبتكرين
تصل نشرتنا الإخبارية إلى أكثر من 30 ألف مبتكر من جميع أنحاء العالم!
اطلع على النشرة الإخبارية لدينا لتكون أول من يكتشف الابتكارات الجديدة و المثيرة و الأفكار الملهمة من حول العالم التي تجعلك جزءاً من المستقبل.
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

لعبة الاختلاف … ابتكارٌ في اليابان يوقظ الإبداع البشريّ في وجه الخوارزميات

في عالمٍ يتنامى فيه حضور الذكاء الاصطناعيّ باستمرار، تقف لعبة الاختلاف شاهداً على القوة الدائمة للإبداع والتعبير البشري، من خلال تشجيع الأفراد على التفكير خارج الصندوق والإبداع بطرائق لا يمكن للذكاء الاصطناعي تقليدُها. لا يسلّط هذا المشروعُ الضوءَ على قيود التكنولوجيا فحسب، بل ويحتفي بالجوهر البشريّ الذي لا يمكن الاستغناء عنه.

 · · 8 أكتوبر 2025

الناتج المحلي الإجمالي الجديد … أداة بيانات للرصد الحيّ لحالات عدم المساواة

تجربةٌ يرى فيها الخبراء القلبَ النابضَ للاقتصاد بصورةٍ مباشرة، فلا يفهمون مقدار نموّه فقط، بل ومَن يستفيد من هذا النموّ كذلك. هذا مشروعٌ أمريكيٌّ يزوّد صنّاع السياسات بالأدوات اللازمة لرصد الفوارق بين الناس ومعالجتها في الوقت الحقيقيّ، عبر ابتكارٍ رائدٍ يتحدّى المنهج التقليدي في قراءة المشهد الاقتصاديّ.

 · · 8 أكتوبر 2025

تسريع الاكتشاف العلمي باستخدام الذكاء الاصطناعي

مع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي وأدواته، هل ستُحدِث تطبيقاته ثورةً في العلوم التطبيقية؟ تطبيقات تستفيد من نماذج اللغة الكبيرة، والخوارزميات المتقدّمة، لتسريع عجلة الاكتشافات العلمية وأتمتة المهام الروتينية وتوليد فرضياتٍ جديدةٍ باستمرار.

 · · 21 أغسطس 2025

الذكاء الاصطناعي الدستوري التشاركي … مواءمة الذكاء الاصطناعي مع مُدخلات الجمهور

بعد أن ترسّخ الذكاء الاصطناعيّ عنصراً أساسياً في حياة البشر، عليه أن يتمثَّل مبادئهم. من هذه الفكرة، انطلق مشروع الذكاء الاصطناعيّ الدستوريّ التشاركيّ في أمريكا، ليوائمَ سلوك الذكاء الاصطناعيّ مع القيم المجتمعية.

 · · 21 أغسطس 2025

من السماء إلى التربة: خوارزميات التعلُّم الآليّ والأقمار الصناعية لتطوير الزراعة الأفريقية

إزاءَ التحدّيات المناخيّة والغذائيّة والديمغرافيّة المتصاعدة، أطلق برنامج حصاد أفريقيا التابع لوكالة ناسا، مشروعاً يهدف إلى تحسين الممارسات الزراعيّة عبر الاستفادة من البيانات الحيّة وصور الأقمار الصناعيّة.

 · · 21 أغسطس 2025
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right