الناتج المحلي الإجمالي الجديد … أداة بيانات للرصد الحيّ لحالات عدم المساواة

الناتج المحلي الإجمالي الجديد … أداة بيانات للرصد الحيّ لحالات عدم المساواة

1 دقيقة قراءة
تجربةٌ يرى فيها الخبراء القلبَ النابضَ للاقتصاد بصورةٍ مباشرة، فلا يفهمون مقدار نموّه فقط، بل ومَن يستفيد من هذا النموّ كذلك. هذا مشروعٌ أمريكيٌّ يزوّد صنّاع السياسات بالأدوات اللازمة لرصد الفوارق بين الناس ومعالجتها في الوقت الحقيقيّ، عبر ابتكارٍ رائدٍ يتحدّى المنهج التقليدي في قراءة المشهد الاقتصاديّ.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

تجربةٌ يرى فيها الخبراء القلبَ النابضَ للاقتصاد بصورةٍ مباشرة، فلا يفهمون مقدار نموّه فقط، بل ومَن يستفيد من هذا النموّ كذلك. هذا مشروعٌ أمريكيٌّ يزوّد صنّاع السياسات بالأدوات اللازمة لرصد الفوارق بين الناس ومعالجتها في الوقت الحقيقيّ، عبر ابتكارٍ رائدٍ يتحدّى المنهج التقليدي في قراءة المشهد الاقتصاديّ.

الاقتصاد نسيجٌ شاسعٌ ومعقّد من خيوطٍ لا تنتهي، يمثّل كلٌّ منها جانباً مختلفاً من جوانب وجودنا الجماعيّ؛ الأفرادُ الساعون لكسب عيشهم والشركات التي تبتكر لتبقى في المقدّمة والحكومات التي تصوغ السياسات لتوجيه بلادها والأسواق العالمية المترابطة.

يمكن تلخيص الفهمِ الحقيقيّ للاقتصاد إذاً بأنّه فكّ رموز الأنماط داخل هذا النسيج، وفهم القوى التي تدفع عجلة النمو، والتفاوتات التي تنشأ بين المجموعات السكانية، والآثار التي تتجلّى في المجتمع.

منذ ثلاثينات القرن العشرين، كان مفهوم الناتج المحليّ الإجماليّ حجرَ الزاوية في عمليات القياس الاقتصاديّ والوسيلةَ الأولى والأكثر موثوقيةً في تقييم الدخل القوميّ وتوجيه السياسات، كما ساهم في تشكيل الأسواق والسياسات والعلاقات الدولية. لكنّ ذلك لا ينفي أنّه يعاني عيباً بنيوياً كبيراً، فهو يعجز عن قياس حصص الأفراد من دخل بلدانهم، وقد أثبتَ كونَه وسيلةً قاصرةً، وربما مضلِّلة، في فهم توزّع الثروة بين مختلف الفئات الاجتماعية والاقتصادية. هذا يعني أنّنا نستطيع قراءةَ أرقامٍ تشرح مدى النموّ الاقتصاديّ، لكنّ المستفيدين من هذا النمو سيبقون مجهولين، وكذلك نوع تلك الاستفادة وإنصافها.

تترتّب على هذه الفجوة في الفهم آثارٌ جسيمة، تشتدّ في فترات انكماش الاقتصاد أو انتعاشه، فغالباً ما تعاني فئةٌ أكثرَ من غيرها– في الحالة الأولى– أو تحصلُ على فتات الفوائد في الحالة الثانية.

بحثاً عن مقاربةً جديدة، جاء دور مجموعةٍ من الباحثين الاقتصاديين في جامعة كاليفورنيا ببيركلي ومركز جيمس م. وكاثلين د. ستون للثروة وانعدام المساواة في الدخل.

طوّر الخبراء أداةً مبتكرةً باسم “عدم المساواة في بثٍّ مباشر”، لكي تقدّم فهماً أكثر سرعةً ودقةً وتفصيلاً للأداء الاقتصاديّ عبر مجموعات الدخل المختلفة، مثل الطبقة العاملة والطبقة الوسطى.

تستخدم هذه الأداة البيانات العامة عالية التردّد، فتعتمد عليها في تتبُّع توزيع الدخل والثروة بصورةٍ دوريّةٍ، حيث تجمع الأرقام والإحصائيات كلّ ثلاثة أشهر وتقارنها بسابقاتها لكي تبني رؤى حقيقية لهذه المؤشرات الاقتصادية.

يُصنف الدخل إلى أربعة أنواع: دخل عوامل الإنتاج (دخل العمل ورأس المال قبل خصم الضرائب)، والدخل قبل خصم الضرائب (المعدل حسب المزايا والمساهمات)، والدخل المتاح (صافي الضرائب والتحويلات)، والدخل بعد خصم الضرائب (بما في ذلك التحويلات غير النقدية والنفقات العامة). تشمل الثروة جميع الأصول المالية وغير المالية، باستثناء المعاشات التقاعدية غير الممولة والمركبات.

يأخذ التحليل في الاعتبار ثلاث مجموعات سكانية: الأفراد البالغون (20 سنة فأكثر)، والبالغون في سن العمل (20-64 سنة)، والأُسَر. وتُجمع البيانات من مصادر عامة مثل مسوحات التوظيف والحسابات القومية وتعدادات الأجور. تولّد هذه العملية ملفاتٍ شهريةً متناهية الصغر، حيث يجري تعيين متغيّرات الدخل والثروة للأفراد بما يتوافق والحسابات القومية وتوزيعات البيانات المرصودة.

على سبيل المثال، بيّنت الأداة وجود تبايناتٍ صارخةٍ في معدّلات التعافي بين فئات الدخل المختلفة في فترات الركود السابقة، ففي أعقاب الكساد الكبير، تعافى الناتج المحليّ الإجماليّ في غضون أربع سنوات، لكنّ نصفَ الأمريكيين احتاجوا إلى ست سنواتٍ أخرى حتى استعادوا مستويات الدخل التي كانوا يجنونها قبل الأزمة، وهؤلاء هم المصنّفون أسفلَ قائمة مجموعات الدخل.

بالمقابل، بعد الركود الاقتصاديّ الذي سبّبته جائحة كوفيد-19، تعافى النصف الأدنى دخلاً من السكان خلال سنةٍ وثمانية أشهر فقط، مستفيدين من سوق العمل الضيقة والمزايا الحكومية غير المسبوقة.

وفي الربع الأول من العام 2023، أظهرت الأداة أنّ الـ 50% الأدنى دخلاً شهدوا زيادةً في الدخل الحقيقيّ بنسبة 1.5%، أمّا الـ 1% الأعلى دخلاً، فسجّلوا زيادةً بنسبة 4.3%، مما يدلّ على أنّ فجوة الدخل ما تزال آخذةً في الاتساع.

من أبرز التحديات التي واجهت تطوير هذه الأداة كان دمجَ البيانات وتجميعها من مصادر رسمية مختلفة، خاصةً في ظلّ قواعد البيانات الكبيرة وواسعة النطاق التي تمتلكها حكومة الولايات المتحدة حول أوجه عدم المساواة، لكنّ تحديث هذه البيانات غالباً ما يستغرق سنةً أو سنتين، مما يعوق تحليلها السليم وصنع سياسات الاستجابة لها في الوقت المناسب. بالتالي، كان على الفريق أن يتغلّب على هذه العقبات التقنية واللوجستية لمواءمة مصادر البيانات المتنوّعة ورسم رؤى دقيقةٍ ومُحدَّثة.

من جهةٍ أخرى، واجه المشروع تحدّياً في بناء المنهجية، فلا بدّ لها أن تكون قويةً ومتوائمةً مع إحصائيات نموّ الاقتصاد الكليّ، وإلا فلن تكون ذات صلةٍ بالواقع ولن تعود بنتائج قابلةٍ للتطبيق، وهذا ما استدعى أيضاً الحصول على تقديراتٍ خاصةٍ بالفئات الاجتماعية والاقتصادية المتنوّعة.

جدير بالذكر أن الأداة حققت آثاراً عميقةً على العمل الاقتصاديّ، فمكّنت صنّاع السياسات من تحليل الواقع وتخصيص الموارد بفعاليةٍ وبالاستناد إلى البيانات. يأمل الباحثون أن يُطبّق نموذجهم الأوليّ على المستوى الفيدراليّ، ثم العالميّ، حيث يمكن للدول الأخرى اعتمادُه لتعزيز الشفافية في عملها، ذلك أنّ الاقتصاد مجموعةٌ من الشيفرات، وعند فكّها، نكتسب القدرة على التنبؤ والتكيّف، فنبني مشهداً اقتصادياً أكثر توازناً وإنصافاً في نهاية المطاف.

المراجع:

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
اشترك في النشرة الإخبارية لمنصة ابتكر
القائمة البريدية للمبتكرين
تصل نشرتنا الإخبارية إلى أكثر من 30 ألف مبتكر من جميع أنحاء العالم!
اطلع على النشرة الإخبارية لدينا لتكون أول من يكتشف الابتكارات الجديدة و المثيرة و الأفكار الملهمة من حول العالم التي تجعلك جزءاً من المستقبل.
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

لعبة الاختلاف … ابتكارٌ في اليابان يوقظ الإبداع البشريّ في وجه الخوارزميات

في عالمٍ يتنامى فيه حضور الذكاء الاصطناعيّ باستمرار، تقف لعبة الاختلاف شاهداً على القوة الدائمة للإبداع والتعبير البشري، من خلال تشجيع الأفراد على التفكير خارج الصندوق والإبداع بطرائق لا يمكن للذكاء الاصطناعي تقليدُها. لا يسلّط هذا المشروعُ الضوءَ على قيود التكنولوجيا فحسب، بل ويحتفي بالجوهر البشريّ الذي لا يمكن الاستغناء عنه.

 · · 8 أكتوبر 2025

تسريع الاكتشاف العلمي باستخدام الذكاء الاصطناعي

مع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي وأدواته، هل ستُحدِث تطبيقاته ثورةً في العلوم التطبيقية؟ تطبيقات تستفيد من نماذج اللغة الكبيرة، والخوارزميات المتقدّمة، لتسريع عجلة الاكتشافات العلمية وأتمتة المهام الروتينية وتوليد فرضياتٍ جديدةٍ باستمرار.

 · · 21 أغسطس 2025

الذكاء الاصطناعي الدستوري التشاركي … مواءمة الذكاء الاصطناعي مع مُدخلات الجمهور

بعد أن ترسّخ الذكاء الاصطناعيّ عنصراً أساسياً في حياة البشر، عليه أن يتمثَّل مبادئهم. من هذه الفكرة، انطلق مشروع الذكاء الاصطناعيّ الدستوريّ التشاركيّ في أمريكا، ليوائمَ سلوك الذكاء الاصطناعيّ مع القيم المجتمعية.

 · · 21 أغسطس 2025

من السماء إلى التربة: خوارزميات التعلُّم الآليّ والأقمار الصناعية لتطوير الزراعة الأفريقية

إزاءَ التحدّيات المناخيّة والغذائيّة والديمغرافيّة المتصاعدة، أطلق برنامج حصاد أفريقيا التابع لوكالة ناسا، مشروعاً يهدف إلى تحسين الممارسات الزراعيّة عبر الاستفادة من البيانات الحيّة وصور الأقمار الصناعيّة.

 · · 21 أغسطس 2025

المستشعِرات الحيوية … البيولوجيا ترصد البيولوجيا

في سعي العلم الدائم وراء الدقة والمعرفة الأعمق، تبرز المستشعِرات الحيوية بوصفها أجهزةً تحليليةً متطوّرةً تجمع بين عناصر الاستشعار البيولوجية ومحوّلات الطاقة لرصد المواد وقياسها، فتبشِّر بتغيير قواعد اللعبة في مجالاتٍ كالرعاية الصحية والمراقبة البيئية وسلامة الأغذية.

 · · 18 يونيو 2025
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right