برنامج “التمويه كخدمة” … أمستردام تحمي الخصوصية في الأماكن العامة

برنامج “التمويه كخدمة” … أمستردام تحمي الخصوصية في الأماكن العامة

1 دقيقة قراءة
في سعيها لحماية الخصوصية الفردية في العصر الرقمي ضمن شوارع أمستردام المزدحمة، ابتُكر تطبيق تكنولوجيٌّ رائد مصمم لإخفاء هوية الأشخاص الذين يظهرون في الصور العامة، تحت اسم برنامج "التمويه كخدمة"، الذي طوّرته المدينة بنفسها طامحةً إلى توظيفه في تطبيقاتٍ واسعةٍ، واضعةً الاعتبارات الأخلاقية فوق أيّ اعتبار.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

في سعيها لحماية الخصوصية الفردية في العصر الرقمي ضمن شوارع أمستردام المزدحمة، ابتُكر تطبيق تكنولوجيٌّ رائد مصمم لإخفاء هوية الأشخاص الذين يظهرون في الصور العامة، تحت اسم برنامج “التمويه كخدمة”، الذي طوّرته المدينة بنفسها طامحةً إلى توظيفه في تطبيقاتٍ واسعةٍ، واضعةً الاعتبارات الأخلاقية فوق أيّ اعتبار.

يشهد مجال تقنيات مراقبة الحشود نمواً متسارعاً، حيث أصبح لها دور محوري في تشكيل هوية المدن وإدارة أنماط الحياة اليومية فيها.

وكما هو الحال مع أي تكنولوجيا ناشئة، لم تَخلُ هذه التطوّرات من تحديات، فهي تنذر بعدة مخاوف تتعلّق بالشفافية وحماية الخصوصية، وتحفّز خطاباً بعيد المدى حول الحوكمة والتَبِعات الأخلاقيّة لمنهجيات جمع البيانات في السياق المجتمعي.

تقدِّم العاصمة الهولندية، أمستردام، مثالاً على هذا، بشوارعها النابضة بالحياة والمزدحمة بالسيّاح، التي قد تستدعي الرقابة الدائمة على الطرق والمساحات العامة لتحسين الأمن العام ورفع مستوى جودة الحياة في المدينة.

منذ العام 2016، شرع قسم المعلوم بالتقاط الصور البانوراميّة للمدينة، عبر فريق رسم الخرائط الجوّال، حيث تأتي هذه السجلّات البصرية بمثابة لوحةٍ رقميةٍ تمكّن موظفي البلدية من إجراء عمليات تفتيش شاملة للأماكن العامة مباشرة من مكاتبهم، ابتداء من إمكانية الوصول إلى المكتبات والمرافق وحتى تقييم حالة الطرق.

ضمن هذه المعطيات، لا شكّ أنّ صوراً تبرز ملامح الناس وأرقام سياراتهم ليست فائضةً عن الحاجة فحسب، بل وغير مرغوبةٍ لسلطات مدينةٍ تسعى إلى الالتزام الثابت بخصوصية المواطنين ونشر التكنولوجيا المسؤولة.

يعبّر منتقدو هذا النوع من المراقبة عن مخاوفهم بشأن تآكل الخصوصية في الأماكن العامة، واحتمال إساءة استخدام البيانات المجمّعة، بدءاً من نشر تقنية التعرف على الوجه مروراً بالمراقبة الشاملة وليس انتهاءً بتنميط الأفراد والكشف عن معلوماتهم الشخصية الحساسة، وبالتالي تمهيد الطريق لسرقة الهوية أو الممارسات التمييزية.

المشكلة أنّ أياً من الحلول التكنولوجية الموجودة لم يفلح في تحقيق المعادلة التي تبحث عنها أمستردام، بأن تغطي مناطق شاسعةً بدقةٍ وشمولية، دون أن تتخلّى عن الممارسات الأخلاقيّة المثلى، ما دفع فريق البلدية التقني لإطلاق ابتكارٍ مدعوم بأحدث تقنيات الذكاء الاصطناعيّ، هو برنامج “التمويه كخدمة”.

عادةً ما تعمل برمجيات التمويه على إخفاء ملامح الوجه، لتصعِّبَ تحديد هويات الأفراد الذين يظهرون في مقاطع المراقبة أو اللقطات البانورامية التي تُجمع على مدار الساعة في المدن الكبرى، لكنّ فكرة بلدية أمستردام قرّرت اجتيازَ عتبةٍ أخرى، وتمويه الجسد بالكامل وكذلك لوحات ترخيص المركبات، بحيث يكون أيّ فردٍ في أيّة صورةٍ بانوراميةٍ مجهولاً تماماً.

تتعدّد استخدامات الابتكار، كما أنّه يستوعب عدداً كبيراً من مصادر البيانات، وقد جرى تطويره من خلال فريق الرؤية الحاسوبية ضمن البلدية نفسِها.

لكن، ألن يُخِلَّ التمويه المفرط بالوظيفة الأساسية للقطات المراقبة البانورامية؟ بالطبع! وهنا يكمن تحدّي إيجاد التوازن الدقيق بين صورٍ لا تُفصِح عن شخوصها، لكنّها تزوِّد السلطات بما يكفي من التفاصيل لتقديم الخدمات العامة بكفاءة، سواء كان ذلك لتقييم ظروف الطرق أو تعزيز إمكانية الوصول.

وليس هذا التحدّي الوحيد، فهناك مسألة التحيّز التي تجلبها خوارزميات التعلّم الآليّ، فالأخيرةُ، رغم قوّتها، قد تؤدي– عن غير قصدٍ– إلى إطالة عمر التحيّزات الموجودة في بيانات التدريب التي تستخدمها. والحقيقة هي أنّ أمستردام اختارت مقاربة هذا التحدي من خلال إدماج ميزة الشمولية، بحيث يكون التمويه مراعياً لمختلف الخاصيّات الجسمانية التي قد تميّز مجموعةً ما عن غيرها، ليضمنَ عدم تسلل أي تحيزات غير مقصودة إلى عملية إخفاء الهوية.

علاوةً على ذلك، هناك التحدّي الذي يواجه كلّ مساعي استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعيّ في العمل العام، وهو التحلّي بالشفافية وبناء الثقة. ولهذا التحدّي مقاربةٌ واحدةٌ ناجحة، وهي التواصل الواضح مع العامة لإيضاح غرض البرنامج وطريقة استخدامه وتطويره.

لدى أمستردام “سجلّ الذكاء الاصطناعيّ”، وهو مسعى بلديٌّ رائد عالميّاً أطلقته السلطات البلدية في المدينة خريف العام 2020، بهدف تحقيق الشفافية والمساءلة في الاستخدام الحكوميّ لأنظمة الذكاء الاصطناعي.

وهكذا، قدّم السجلّ محتوى واسعاً يشرح للناس طريقة عمل الخوارزميات في مختلف تفاصيل حياتهم، من حركة المرور إلى الخدمات العامة، وما هي البيانات التي استخدمتها لتنسيق كلّ ذلك.

لقد أكّدت تجربة أمستردام الرائدة أنّ التكنولوجيا ليست مجرد أداةٍ وظيفية، بل ووسيلةً لحماية الحريات والخصوصيات الفردية، فاستخدمتها لتبسِّط خدماتها وتحمي مواطنيها وتقوّيهم بالمعرفة، كما فتحت لهم الباب ليصبحوا مشاركين نشطين ومساهمين محتملين في الحوار المستمر حول تطور الذكاء الاصطناعي من خلال سجّلها

كما سلّط هذا الابتكار الضوء على الأهمية القصوى للممارسات الأخلاقيّة ومراعاة الشمولية والعدالة والشفافية في كلّ مفاصل الخدمة العامة.

المراجع:

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
اشترك في النشرة الإخبارية لمنصة ابتكر
القائمة البريدية للمبتكرين
تصل نشرتنا الإخبارية إلى أكثر من 30 ألف مبتكر من جميع أنحاء العالم!
اطلع على النشرة الإخبارية لدينا لتكون أول من يكتشف الابتكارات الجديدة و المثيرة و الأفكار الملهمة من حول العالم التي تجعلك جزءاً من المستقبل.
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

لعبة الاختلاف … ابتكارٌ في اليابان يوقظ الإبداع البشريّ في وجه الخوارزميات

في عالمٍ يتنامى فيه حضور الذكاء الاصطناعيّ باستمرار، تقف لعبة الاختلاف شاهداً على القوة الدائمة للإبداع والتعبير البشري، من خلال تشجيع الأفراد على التفكير خارج الصندوق والإبداع بطرائق لا يمكن للذكاء الاصطناعي تقليدُها. لا يسلّط هذا المشروعُ الضوءَ على قيود التكنولوجيا فحسب، بل ويحتفي بالجوهر البشريّ الذي لا يمكن الاستغناء عنه.

 · · 8 أكتوبر 2025

الناتج المحلي الإجمالي الجديد … أداة بيانات للرصد الحيّ لحالات عدم المساواة

تجربةٌ يرى فيها الخبراء القلبَ النابضَ للاقتصاد بصورةٍ مباشرة، فلا يفهمون مقدار نموّه فقط، بل ومَن يستفيد من هذا النموّ كذلك. هذا مشروعٌ أمريكيٌّ يزوّد صنّاع السياسات بالأدوات اللازمة لرصد الفوارق بين الناس ومعالجتها في الوقت الحقيقيّ، عبر ابتكارٍ رائدٍ يتحدّى المنهج التقليدي في قراءة المشهد الاقتصاديّ.

 · · 8 أكتوبر 2025

تسريع الاكتشاف العلمي باستخدام الذكاء الاصطناعي

مع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي وأدواته، هل ستُحدِث تطبيقاته ثورةً في العلوم التطبيقية؟ تطبيقات تستفيد من نماذج اللغة الكبيرة، والخوارزميات المتقدّمة، لتسريع عجلة الاكتشافات العلمية وأتمتة المهام الروتينية وتوليد فرضياتٍ جديدةٍ باستمرار.

 · · 21 أغسطس 2025

الذكاء الاصطناعي الدستوري التشاركي … مواءمة الذكاء الاصطناعي مع مُدخلات الجمهور

بعد أن ترسّخ الذكاء الاصطناعيّ عنصراً أساسياً في حياة البشر، عليه أن يتمثَّل مبادئهم. من هذه الفكرة، انطلق مشروع الذكاء الاصطناعيّ الدستوريّ التشاركيّ في أمريكا، ليوائمَ سلوك الذكاء الاصطناعيّ مع القيم المجتمعية.

 · · 21 أغسطس 2025

من السماء إلى التربة: خوارزميات التعلُّم الآليّ والأقمار الصناعية لتطوير الزراعة الأفريقية

إزاءَ التحدّيات المناخيّة والغذائيّة والديمغرافيّة المتصاعدة، أطلق برنامج حصاد أفريقيا التابع لوكالة ناسا، مشروعاً يهدف إلى تحسين الممارسات الزراعيّة عبر الاستفادة من البيانات الحيّة وصور الأقمار الصناعيّة.

 · · 21 أغسطس 2025
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right