استخدام العلوم السلوكية لتعزيز الأمن الرقميّ في نيوزيلندا

استخدام العلوم السلوكية لتعزيز الأمن الرقميّ في نيوزيلندا

1 دقيقة قراءة
استجابةً لمخاوف وطنيةٍ تتعلّق بالأمن الرقميّ، أطلقت حكومة نيوزيلندا حملةً لقيادة التغيير السلوكيّ لدى الناس وتمكينهم من حماية أنفسهم عبر الإنترنت، وذلك بالاستناد إلى أبحاث علميةٍ حلّلت تصرّفات المواطنين ودوافعهم واقترحت طرائق لتغييرها.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

استجابةً لمخاوف وطنيةٍ تتعلّق بالأمن الرقميّ، أطلقت حكومة نيوزيلندا حملةً لقيادة التغيير السلوكيّ لدى الناس وتمكينهم من حماية أنفسهم عبر الإنترنت، وذلك بالاستناد إلى أبحاث علميةٍ حلّلت تصرّفات المواطنين ودوافعهم واقترحت طرائق لتغييرها.

بقدر ما حملت التكنولوجيا من فوائد، جلبت أيضاً أخطار كثيرة، فهي– كأيِّ اختراعٍ آخر– وجدت من يسيء استخدامَها ويسخّرها لأغراض غير قانونيةٍ أو غير أخلاقية، وأصبح ضرورياً لأي دولةٍ تتطلّع للاستفادة منها أن تكون جاهزةً لتقي نفسَها مخاطرَها.

تشير الإحصائيات إلى أنّ أكثر من 80% من انتهاكات الأمن الرقميّ التي وقعت العام الفائتَ وحده كانت نتيجة عوامل بشرية، يشمل ذلك الأخطاء غير المقصودة والحملات المُمنهجة التي قد يقوم بها مجرمون أو حتى حكومات أو أية جهةٍ تمتلك ما يكفي من المعرفة التكنولوجية، حيث يستخدم المتسلّلون تقنيات التعلّم الآليّ والذكاء الاصطناعيّ والرسائل الصوتية والتزييف العميق وبرامج الفدية وغيرها الكثير.

في نيوزيلندا، تثير هذه الهجمات مخاوف كبيرة، حيث يمكن لها أن تشلَّ عملياتٍ حيويةً وتؤثّر على حياة الناس وتدمّر مؤسّساتٍ وشركاتٍ وتهدّد مستقبل حكومات. الأسوأ هو أنّ احتمال حدوث هذه الهجمات يزداد باطّراد بفعل الواقع الذي فرضته جائحة كوفيد-19، حيث يقضي الفرد جلَّ يومه عبر الإنترنت ويتواصل مع العالم الخارجيّ عبر عشرات الحسابات على مختلف المواقع والمنصات. ومع ذلك، يجهل الكثيرون آثار الهجمات الإلكترونية أو لا يفهمون كيفية حدوثها أو يجدون صعوباتٍ في إجراءاتٍ بسيطةٍ من قبيل اعتماد كلمات مرورٍ قويةٍ أو إعدادات خصوصيةٍ صارمة.

بلغة الأرقام، يبدو أنّ النيوزيلنديين قد خسروا قرابة 6 ملايين دولار أمريكيّ خلال الربع الثالث من العام 2022، كما أعلن المركز الوطنيّ للأمن الرقميّ أنّ أحد مزوِّدي الخدمة المُدار باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعيّ قد تعرّض لاختراقٍ عرقل الوصول إلى بياناته وأنظمته. وهذه مشكلة كبيرة، ذلك أنّه يدعم عدة منظّماتٍ عبر البلاد، من بينها مؤسّسات حكوميةٌ حيوية كالمستشفيات، حيث اخترقت إحدى الهجمات بيانات المرضى وعرقلت إجراء الفحوصات لمرضى السرطان.

وقد اعتمدت حكومة نيوزيلندا استراتيجيةً شاملةً للأمن الرقميّ تركّز على 4 جوانب، وهي بناء القدرات في هذا المجال، وإرساء منظومةٍ نشطةٍ ومرنة، وتبنّي نهجٍ استباقيّ في التعامل مع الجرائم الرقميّة، وأخيراً وليس آخراً، نشر ثقافة الأمن الرقميّ بين المواطنين، وهو الجانب الأهم.

صحيحٌ أنّ الأمن الرقميّ يتطلّب تحصين الأجهزة والبرامج، لكنّ الأهمّ هو السلوك البشريّ. حقيقةٌ أدركتها الحكومة النيوزيلندية جيداً، فوجّهت تركيزَها إلى المواطنين وجعلت هدفَها تزويدَهم بالمهارات اللازمة لتفادي الهجمات الإلكترونية.

بدأ العمل بحملة بحثٍ ودراسةٍ موسّعةٍ أجراها الفريق الوطنيّ للاستجابة للطوارئ المتعلّقة بالحاسوب ليتمّ تصميم الحلول بناء على مخرجاتها. وقد بيّن البحث أنّ النسبة الأكبر من الجرائم الإلكترونية تحدث نتيجة اختراق حساباتٍ ذات كلمات مرورٍ ضعيفة. وعليه، كان ينبغي للعمل أن يدخل من بوابة علم السلوكيات البشرية التي تتّسم بتعقيدٍ بالغٍ وتتأثّر بعوامل اجتماعيةٍ وبيئيةٍ واقتصاديةٍ ومعرفيةٍ وعصبية، والقائمة تطول.

يعزو العلماء العديد من تصرّفاتنا إلى ما يسمّونه “التحيّزات المعرفيّة”، التي يمكن وصفُها بأنها أخطاء منهجية في التفكير تحدث حين نتلقّى ما يجري حولنا ونفسِّرُه وفقاً لتجارب أو أحكام سابقة. بعبارةٍ أبسط، هذه التحيّزات هي طرق مختصَرة تسلكها عقولُنا لتتخفّفَ من عبء التفكير بكلّ موقفٍ على حدة، فتدرجُه ضمن تصنيفاتٍ موجودةٍ مسبقاً، كثيراً ما تفتقر إلى الدقة، فتؤثر على عملية صنع القرار لدينا دون أن يدرك عقلُنا الواعي مردَّ أحكامه.

بناءً على هذا، صمّم الفريق حملةً للأمن الرقميّ تستفيد من التحيّزات المعرفيّة التي قد تساعد الناس وتحاول تعديل تلك التي تعوق ذلك. هذا ما أسماه الباحثون “أنسنةَ الأمن الرقميّ”، وهو مفهوم يعني توظيف الطبيعة الإنسانية في تعزيز الأمان على شبكة الإنترنت.

انطلقت الحملة في العام 2022، وحملت للمواطنين رسالةً رئيسيةً مفادُها أنّ حماية الأمن الرقميّ لا تقتصر على المختصّين، بل تمسّ كلّ من يستخدم المنتجات التكنولوجية. وقد سخّر الفريق مختلف وسائل التواصل والتعبير لنقل هذه الرسالة، فعلى مستوى المعادِلات البصرية مثلاً، تضمّنت الحملة صوراً لأشخاص يستخدمون حواسيب متقدّمة، لكنّهم يظهرون بأشكال وملابس عاديةٍ لا توحي بأنّهم خبراء تقنيّون.

كما اتجهت الحملة إلى المعرفة اللغوية لدى الناس وتذكيرهم باستخدامها في إنشاء كلمات مرورٍ قوية، لا الاكتفاء بالتواريخ المميزة أو أرقام الهواتف التي يسهل على المخترِقين التكهّن بها.

تعاون الفريق أيضاً مع وكالة الأبحاث لينشر دليلاً مرجعياً حمل عنوان “التغيير الرقميّ: رؤى سلوكية لحماية الأشخاص عبر الإنترنت”. يستهدف هذا الدليل المواطنين العاديين والكيانات الحكومية والخاصة الفاعلة في هذا المجال، فيقدم لها جملةً من الأفكار والإجراءات الكفيلة بزيادة الأمن الرقميّ.

من الجدير بالذكر أنّ حكومة نيوزيلندا استوحت الكثير من حكومة إستونيا التي تتبنّى أفضل نماذج التعليم الإلكترونيّ بدءاً من الأطفال في مرحلة الحضانة مروراً بالمراهقين والشباب والراشدين وليس انتهاءً بالمسنّين.

تلعب العلوم السلوكية دوراً محورياً في فهم الظواهر الاجتماعية وتصميم حلولٍ أكثر فاعلية. وفي تجربة نيوزيلندا، يمكن لحملات التوعية تحفيزُ الناس على اتخاذ الإجراءات وبناء الثقة والمعرفة لديهم ليكونوا العنصر الفاعل الأساسيّ في حماية أنفسهم وحكومتهم.

المراجع:

https://dpmc.govt.nz/sites/default/files/2019-07/Cyber%20Security%20Strategy.pdf
https://govinsider.asia/intl-en/article/BIG-PASSWORD-ENERGY-New-Zealand-uses-behavioural-insights-to-drive-cyber-hygiene
https://www.cert.govt.nz/assets/resources/cert-nz-cyber-change-behavioural-insights-2022-online-version.pdf
https://www.weforum.org/agenda/2022/11/how-user-experience-and-behavioural-science-can-guide-smart-cybersecurity/
https://www.dataguidance.com/news/new-zealand-cert-nz-issues-cyber-change-guide
https://www.cshub.com/attacks/news/new-zealand-government-compromised-in-third-party-cyber-attack
https://www.ncsc.govt.nz/news/response-to-managed-service-provider-cyber-security-incident/
https://www.nzherald.co.nz/business/a-mole-map-interrupted-as-cyberattack-barrage-continues/AJUZVU3D3RBSFKBPQJ4KWZXDZQ/
https://www.cert.govt.nz/individuals/news-and-events/scammers-using-sophisticated-attacks-against-new-zealanders/

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
اشترك في النشرة الإخبارية لمنصة ابتكر
القائمة البريدية للمبتكرين
تصل نشرتنا الإخبارية إلى أكثر من 30 ألف مبتكر من جميع أنحاء العالم!
اطلع على النشرة الإخبارية لدينا لتكون أول من يكتشف الابتكارات الجديدة و المثيرة و الأفكار الملهمة من حول العالم التي تجعلك جزءاً من المستقبل.
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

لعبة الاختلاف … ابتكارٌ في اليابان يوقظ الإبداع البشريّ في وجه الخوارزميات

في عالمٍ يتنامى فيه حضور الذكاء الاصطناعيّ باستمرار، تقف لعبة الاختلاف شاهداً على القوة الدائمة للإبداع والتعبير البشري، من خلال تشجيع الأفراد على التفكير خارج الصندوق والإبداع بطرائق لا يمكن للذكاء الاصطناعي تقليدُها. لا يسلّط هذا المشروعُ الضوءَ على قيود التكنولوجيا فحسب، بل ويحتفي بالجوهر البشريّ الذي لا يمكن الاستغناء عنه.

 · · 8 أكتوبر 2025

الناتج المحلي الإجمالي الجديد … أداة بيانات للرصد الحيّ لحالات عدم المساواة

تجربةٌ يرى فيها الخبراء القلبَ النابضَ للاقتصاد بصورةٍ مباشرة، فلا يفهمون مقدار نموّه فقط، بل ومَن يستفيد من هذا النموّ كذلك. هذا مشروعٌ أمريكيٌّ يزوّد صنّاع السياسات بالأدوات اللازمة لرصد الفوارق بين الناس ومعالجتها في الوقت الحقيقيّ، عبر ابتكارٍ رائدٍ يتحدّى المنهج التقليدي في قراءة المشهد الاقتصاديّ.

 · · 8 أكتوبر 2025

تسريع الاكتشاف العلمي باستخدام الذكاء الاصطناعي

مع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي وأدواته، هل ستُحدِث تطبيقاته ثورةً في العلوم التطبيقية؟ تطبيقات تستفيد من نماذج اللغة الكبيرة، والخوارزميات المتقدّمة، لتسريع عجلة الاكتشافات العلمية وأتمتة المهام الروتينية وتوليد فرضياتٍ جديدةٍ باستمرار.

 · · 21 أغسطس 2025

الذكاء الاصطناعي الدستوري التشاركي … مواءمة الذكاء الاصطناعي مع مُدخلات الجمهور

بعد أن ترسّخ الذكاء الاصطناعيّ عنصراً أساسياً في حياة البشر، عليه أن يتمثَّل مبادئهم. من هذه الفكرة، انطلق مشروع الذكاء الاصطناعيّ الدستوريّ التشاركيّ في أمريكا، ليوائمَ سلوك الذكاء الاصطناعيّ مع القيم المجتمعية.

 · · 21 أغسطس 2025

من السماء إلى التربة: خوارزميات التعلُّم الآليّ والأقمار الصناعية لتطوير الزراعة الأفريقية

إزاءَ التحدّيات المناخيّة والغذائيّة والديمغرافيّة المتصاعدة، أطلق برنامج حصاد أفريقيا التابع لوكالة ناسا، مشروعاً يهدف إلى تحسين الممارسات الزراعيّة عبر الاستفادة من البيانات الحيّة وصور الأقمار الصناعيّة.

 · · 21 أغسطس 2025
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right