أدوات مبتكرة لتحصين الصحة العامة ضد موجات الحر الشديد

أدوات مبتكرة لتحصين الصحة العامة ضد موجات الحر الشديد

1 دقيقة قراءة
بفعل تغير المناخ ازدادت في السنوات الأخيرة حدة وتواتر موجات الحر الشديد، لتصبح مشكلة حقيقية تهدد الصحة العامة والبيئة، بالإضافة إلى انعكاساتها السلبية على شتى الجوانب الحياتية والاقتصادية. في مواجهة هذا التحدي، لجأت سلطات أستراليا، والولايات المتحدة الأمريكية، وهونغ كونغ، إلى إطلاق مبادرات مبتكرة للحد من آثار الحر الشديد، ركزت الحلول على تعزيز المرونة في التعامل مع درجات الحرارة العالية من خلال عدة إجراءات جمعت ما بين التكنولوجيا والأساليب العملية، شاملة التدابير الاستباقية، ورفع الجاهزية، والبيانات الفورية، والتواصل الفعال مع الجمهور.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

بفعل تغير المناخ ازدادت في السنوات الأخيرة حدة وتواتر موجات الحر الشديد، لتصبح مشكلة حقيقية تهدد الصحة العامة والبيئة، بالإضافة إلى انعكاساتها السلبية على شتى الجوانب الحياتية والاقتصادية. في مواجهة هذا التحدي، لجأت سلطات أستراليا، والولايات المتحدة الأمريكية، وهونغ كونغ، إلى إطلاق مبادرات مبتكرة للحد من آثار الحر الشديد، ركزت الحلول على تعزيز المرونة في التعامل مع درجات الحرارة العالية من خلال عدة إجراءات جمعت ما بين التكنولوجيا والأساليب العملية، شاملة التدابير الاستباقية، ورفع الجاهزية، والبيانات الفورية، والتواصل الفعال مع الجمهور.

تأتي موجات الحر الشديد ضمن أنماط الطقس الطبيعية، لكنها أصبحت أكثر حدة وتواتراً وتدوم لفترات أطول مع التغير المناخي الذي زادت من تسارعه الأنشطة البشرية. وبات الحر الشديد، الذي يعرف بـ”القاتل الصامت”، يشكل خطورة على المجتمعات في مناطق عديدة من العالم، فهو يرفع معدلات الإصابات بالإجهاد الحراري وضربة الشمس والأمراض الأخرى التي يسببها أو يزيد من حدتها ارتفاع درجات الحرارة، خاصة لدى الأطفال، وكبار السن، وحالات صحية معينة. وللحر الشديد آثار سلبية أخرى، مثل خفض إنتاجية العمل، خاصة للذين يعملون في الهواء الطلق، بالإضافة إلى دوره في إجهاد نظم الطاقة، وضرره على النظم البيئية. ومن شأن الحر الشديد أن يؤدي إلى تفاقم حالة عدم المساواة الاجتماعية لدى الفئات ذات الدخل المتدني غير القادرة على امتلاك أجهزة التبريد، أو الحصول على الرعاية الصحية المطلوبة.

في مواجهة مخاطر هذا التحدي، الذي تتعرض له المدن بشكل أكبر- بسبب تركز الحرارة بفعل الشوارع المطلية بالأسفلت والمباني المشيدة بالأسمنت والزجاج العاكس- أطلق مجلس مدينة ملبورن في أستراليا، مبادرة بالشراكة مع شركة ناشئة تعمل في مجال الرصد الجوي باستخدام التكنولوجيا الذكية. تقوم المبادرة على تطوير منصة إلكترونية يتم من خلالها جمع البيانات الفورية حول أحوال الطقس ودرجات الحرارة في مختلف أحياء ملبورن لتحديد المواقع الأكثر عرضة لمخاطر الحر الشديد، ما يساهم في تحديد الأولويات في استراتيجية تبريد تلك المواقع، آخذة بعين الاعتبار الظروف الاقتصادية لسكانها.

المبادرة جزء من مشاريع أخرى يهدف مجلس البلدية من خلالها إلى مكافحة موجات الحر الشديد، تشمل تشجير شوارع وأحياء ملبورن بنحو 3 آلاف شجرة لزيادة المساحات المظللة والمساهمة في تبريدها. ويعمل مشروع آخر على جمع مخلفات الأطعمة والحدائق من البيوت بهدف تحويلها إلى سماد للاستخدام في حدائق ومتنزهات المدينة. ولهذا المشروع فائدة مزدوجة، فمن خلال إعادة تدوير تلك المخلفات التي زادت عن 2368 طناً خلال فترة قصيرة منذ بدء المشروع هو يخفف العبء على مكبات النفايات وأثرها البيئي. كما تخطط البلدية إلى مشاركة ما يزيد عن 23 ألف منزل في المشروع قبل إضافة الشقق في المباني العالية.

تعاني الولايات المتحدة أيضاً من تفاقم موجات الحر الشديد التي تشير الإحصاءات إلى تصاعد وتيرتها في كبرى مدنها من موجتين كمعدل وسطي في العام خلال الستينات إلى ست موجات في العام خلال العقدين الماضيين، وهي في تصاعد في حدتها وطول فتراتها مع استمرار تغير المناخ. هذا، بطبيعة الحال، زاد من عدد الإصابات بالأمراض الناجمة عن التعرض لدرجات حرارة عالية، كما تؤكده دراسة وصلت إلى أن عدد الوفيات التي يسببها الحر الشديد في الولايات المتحدة قد ارتفع بمعدل 1,373 حالة في العام بين عامي 2008 و2017.

أصبح التعامل مع هذا التحدي من الأولويات الملحة لدى السلطات المعنية، ما يتطلب استراتيجيات مبتكرة واستعدادات خاصة. فأعلنت وزارة الصحة والخدمات الإنسانية بالشراكة مع الإدارة الوطنية لسلامة المرور على الطرق السريعة عن إطلاق بوابة إلكترونية، تعد الأولى من نوعها، تقوم برصد وتعقب استجابة خدمات الإسعاف للحالات الصحية الناجمة عن الحر الشديد على المستوى الوطني. ستمكن البوابة السلطات المحلية والفدرالية، من خلال عرض مختلف البيانات المتعلقة بتلك الحالات على لوحة متابعة، من تحديد المواقع التي تكثر فيها الإصابات لكي يتم ادراجها ضمن الأولويات في استراتيجيات التخفيف من حدة الحرارة.

تشمل تلك الاستراتيجيات إنشاء ملاجئ أو مراكز استقبال مكيفة يؤمها السكان خلال موجات الحر الشديد، وحملات توعية للفئات الأكثر عرضة لتلك المخاطر. وستساهم البوابة في تحديد تلك الفئات من خلال عرضها لبيانات المصابين، مثل العمر، والجنس، والانتماء العرقي. كما ستوفر البوابة معلومات قيمة أخرى تساعد السلطات في التخطيط المستقبلي، مثل المعدل الوسطي للزمن الذي تستغرقه سيارات الإسعاف للوصول إلى المريض، ونسبة المرضى الذين يقوم المسعفين بتحويلهم إلى منشئات طبية لمزيد من الرعاية الصحية.

أما في هونغ كونغ، حيث غالباً ما تزيد معدلات الرطوبة العالية من وطأة درجات الحرارة المقبولة على صحة السكان، أطلقت وزارة العمل في وقت سابق من هذا العام “نظام الإنذار بالإجهاد الحراري”. يستخدم النظام مؤشر الحرارة المعتمد في هونغ كونغ ضمن معادلة تعتمد على احتساب الرطوبة النسبية، وشدة أشعة الشمس، ودرجات الحرارة. تحذر الوزارة السكان من خلال تطبيق خاص بأحوال الطقس على أجهزة الهاتف الجوال، وفي البوابة الإلكترونية الحكومية. ويطلق النظام في البداية إنذاراً أصفراً بضرورة تجنب التعرض لأشعة الشمس لفترة طويلة، يليه إنذار أحمر عند ارتفاع مؤشر الإجهاد الحراري من 30 درجة إلى 32 درجة، ومع بلوغ المؤشر مستوى 34 درجة يطلق الإنذار الأسود، محذراً باتخاذ أعلى درجات الحيطة.

يستهدف النظام بالمقام الأول توعية وحماية الفئات العاملة تحت تأثير حرارة الشمس، وهي الأكثر تعرضاً لمخاطر الإجهاد الحراري الشديد، مثل عمال قطاعي الإنشاءات والزراعة، الذين تنصحهم الوزارة بضرورة إيقاف العمل والاستراحة لفترات تتراوح بين 15 دقيقة و45 دقيقة، وفق لون الإنذار وطبيعة عملهم. وتوصي الوزارة أصحاب العمل بتحديد فترات الاستراحة وفق الجهد الذي يتطلبه كل عمل، ضمن أربع فئات: خفيف، ومتوسط، وشديد، وعالي الشدة. ويُحظر على الشركات حجب الأجور عن فترات توقف العمل أو حث العمال على العمل لقاء تعويض مادي بعد إطلاق الإنذار، وعليهم متابعة التحديثات التي يصدرها النظام كل ساعة.

يمكن تلخيص أهم الدروس المشتركة بين المبادرات السابقة، التي يمكن الاستفادة منها في دول ومدن أخرى، بضرورة التكيف الاستباقي لتحديات التغير المناخي، وأهمية إعداد البيانات الفورية، والتعاون بين جميع الجهات ذات الصلة، وصب الاهتمام على الفئات الأكثر عرضة كأولوية، إضافة إلى التواصل الفعال مع الجمهور، وسن القوانين اللازمة من قبل الجهات التنظيمية.

المراجع:

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
اشترك في النشرة الإخبارية لمنصة ابتكر
القائمة البريدية للمبتكرين
تصل نشرتنا الإخبارية إلى أكثر من 30 ألف مبتكر من جميع أنحاء العالم!
اطلع على النشرة الإخبارية لدينا لتكون أول من يكتشف الابتكارات الجديدة و المثيرة و الأفكار الملهمة من حول العالم التي تجعلك جزءاً من المستقبل.
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

إعادة تصميم الراحة: زيٌّ موحّدٌ جديدٌ للبحّارة الأنثى

في البحرية الأمريكية، إحدى أكثر بيئات العمل تطلّباً للدقة والكفاءة، رصدت الإدارة شعور العاملات بالتقييد في الزيّ الرسميّ الموحّد، فشرعت في مهمة طموحةٍ لإعادة تصميمه وفق نهجٍ مبتكرٍ مدفوعٍ بالشمولية والبيانات، بحيث يلائم احتياجاتهنّ وطبيعة مهامهنّ ويبقى شعاراً للاحترافية والهوية والوحدة.

 · · 8 أكتوبر 2025

مطعم الطلبات الخاطئة … أفكار مثيرة للجدل حول الخَرَف في اليابان

في قلب طوكيو، افتتحُ مبتكِرون مطعماً يُسمح فيه للنادل بأن يقدّم للزبائن أطباقاً غير التي طلبوها، بل وتلاقي هفوتُه هذه الترحابَ وتُقابَل بالضحكات، لأنّ هذا النادل هو مسنٌّ يعمل في "مطعم الطلبات الخاطئة"، الذي يطلق مفهوماً ثورياً ويتحدّى الأعراف المجتمعية، ويعزّز فهم المجتمع للخَرَف وتقبُّلَه له من خلال تجربة طعامٍ قلّ نظيرُها.

 · · 23 سبتمبر 2025

كيف تساعد التكنولوجيا في تتبّع رسوم الجدران للحدّ من جرائم الكراهية في كندا

في عصرِ الفنّ الحرّ، يمكن للمنتَجِ الإبداعيّ أن يكون ملهِماً للسلام أو رمزاً للتعصّب. وفي كندا التي تفاخرُ العالمَ بتنوّعها، لا يمكن السماح للكراهية بالتمدّد، وإن كانت ضمن إطارٍ فنيّ. لهذا، أطلقت مدينة إدمنتون مبادرةَ "المنارة" التي تسخّر قوة التكنولوجيا لرصد أيّة تعبيراتٍ عن الكراهية والحدّ منها.

 · · 23 سبتمبر 2025

القصص لرصد منجزات التنمية البشرية في الهند

قامت وكالة رصد الفقر والتنمية البشرية الهندية بتغيير وسائل جمع البيانات، لتبني فهماً حقيقياً عن حياة الناس الذين يقفون خلفها، فتجمع القصص والدلائل البصرية وتحلل البيانات وتوحّد أصحاب المصلحة، لتؤسس نهجاً جديداً في التنمية البشرية.

 · · 23 سبتمبر 2025

الأسلوب المرن … تصوّرٌ جديدٌ للخدمات الحكومية

لأنّ الخدمات الحكومية أعقدُ بكثيرٍ مما تبدو، قررت مدينة "غيتسهيد" الإنجليزية خوض تجربة جريئة تضع العلاقات والتفاهم الإنساني في الصدارة، بدلاً من التركيز على الكفاءة التقليدية. وقد أطلقت على تحولها الجذري هذا اسم "الأسلوب المرن".

 · · 9 سبتمبر 2025
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right