التكنولوجيا الخضراء: مبادرة سنغافورة للارتقاء بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات نحو الاستدامة

التكنولوجيا الخضراء: مبادرة سنغافورة للارتقاء بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات نحو الاستدامة

1 دقيقة قراءة
يعدّ أثر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على تغير المناخ ضئيلاً نسبياً حين مقارته بمصادر الانبعاثات الكربونية الرئيسية كالمواصلات والأنشطة الصناعية والبشرية الأخرى التي تستخدم الوقود الأحفوري بكثافة. لكن مع نمو الطلب على هذا القطاع وبنيته التحتية، من المتوقع أن ترتفع كثيراً مساهمته التي تقدر اليوم بين %1.8 و%4 من مجمل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري عالمياً، لتبلغ نحو %14 بحلول العام 2040، ما يجعله مصدر قلق متنامٍ لكافة الدول الساعية للحد من آثار تغير المناخ. في مواجهة هذا التحدي، أطلقت سنغافورة التي تتميز باستخدامها المكثف لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات مبادرة شاملة وطموحة تستهدف خفض معدل الانبعاثات الناتجة حالياً عن هذه التكنولوجيا بمعدل %50 بحلول العام 2030، تماشياً مع الأهداف العالمية في هذا المجال.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

يعدّ أثر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على تغير المناخ ضئيلاً نسبياً حين مقارته بمصادر الانبعاثات الكربونية الرئيسية كالمواصلات والأنشطة الصناعية والبشرية الأخرى التي تستخدم الوقود الأحفوري بكثافة. لكن مع نمو الطلب على هذا القطاع وبنيته التحتية، من المتوقع أن ترتفع كثيراً مساهمته التي تقدر اليوم بين %1.8 و%4 من مجمل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري عالمياً، لتبلغ نحو %14 بحلول العام 2040، ما يجعله مصدر قلق متنامٍ لكافة الدول الساعية للحد من آثار تغير المناخ. في مواجهة هذا التحدي، أطلقت سنغافورة التي تتميز باستخدامها المكثف لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات مبادرة شاملة وطموحة تستهدف خفض معدل الانبعاثات الناتجة حالياً عن هذه التكنولوجيا بمعدل %50 بحلول العام 2030، تماشياً مع الأهداف العالمية في هذا المجال.


التحديات التي تواجه هذه المبادرة ليست سهلة، أهمها أنّ سنغافورة التي تطمح لتحقيق الحياد الكربوني بحلول العام 2050 تفتقر إلى مصادر الطاقة النظيفة والمساحات الواسعة التي تتطلبها مزارع الطاقة الشمسية أو مزارع الرياح. وأنها بحكم جغرافيتها معرضة بشكل خاص لمخاطر ارتفاع منسوب البحر بفعل ارتفاع حرارة المناخ. ومن جهة أخرى، فإن قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات هو رافد مهم لاقتصاد سنغافورة، حيث يمثل %5.5 من الناتج الإجمالي المحلي. وتكمن أهمية القطاع والتقنيات المرافقة له حتى في المساهمة في الحد من الانبعاثات الكربونية من خلال تطبيقات جديدة رائدة في العديد من المجالات مثل إدارة شبكات الطاقة الذكية، والزراعة الدقيقة، وغيرها، ما يوفر فرصاً اقتصادية كبيرة لسنغافورة التي تعد مركزاً رائداً في التحول الرقمي والابتكار. لذا فإن مصلحة سنغافورة تكمن في إيجاد حلول فعالة تؤدي إلى خفض البصمة الكربونية لأنشطة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من دون أن يؤثر ذلك سلباً على فرص النمو المستقبلية الكبيرة المتصلة بتلك الأنشطة.


تستهدف مبادرة سنغافورة بشكل خاص مراكز البيانات وشبكات الاتصالات كونها المصدر الرئيسي لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناجمة عن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الجزيرة، نظراً لحجم الطاقة الكهربائية الكبيرة التي تستهلكها عملية تشغيل وتبريد بنيتها التحتية على مدار السنة. فسنغافورة هي السوق الأولى لمراكز البيانات في جنوب شرقي آسيا، وتحظى بحصة تزيد عن %60 من سوق المنطقة.


أدركت حكومة سنغافورة أن الحد من تلك الانبعاثات يتطلب استراتيجية وطنية مشتركة، فأتت مبادرتها تحت شعار “كل الوطن”، لتشمل القيادات الحكومية، وإقامة الشراكات بين القطاع الحكومي والخاص، والتعاون مع منظمات المجتمع المدني، ضمن رؤية مشتركة تتطلب مسؤولية جماعية. كما اتخذت الحكومة مجموعة من الإجراءات شملت السياسات التنظيمية، والحوافز المالية، وتشجيع المؤسسات على تبني ممارسات وتقنيات قياسية يتدنى فيها استهلاك الطاقة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.


أصبحت الشركات الكبيرة المسجلة في البورصة مطالبة بالإفصاح عن بصماتها الكربونية، ما شجّع تلك الشركات، ومنها مراكز البيانات وشركات الاتصالات، على وضع خطط مجدية لخفض انبعاثاتها. ومن جهة أخرى، أصدرت حكومة سنغافورة معايير قياسية في استخدام الطاقة توصي مراكز البيانات بالعمل على تحقيقها، فضلاً عن شهادة اعتماد تمنح للمراكز التي تحقق الشروط الخضراء. أمّا مراكز البيانات التي يتم إطلاقها حديثاً، فهي تخضع لشروط صارمة في استخدام الطاقة.
ونظراً للتحديات التي قد تواجه بعض مراكز البيانات وغيرها من المؤسسات في تنفيذ المشاريع الخاصة بكفاءة الطاقة، خاصة في تكلفتها المادية، أنشأت الحكومة “صندوق كفاءة الطاقة في سنغافورة” خصيصاً لمساعدة تلك المؤسسات على تبني التقنيات التي ترفع من مستوى فعالية الطاقة، وتركيب نظم معلومات إدارة الطاقة، وإجراء تقييمات حول استخدام الطاقة، وتحسين فعالية الموارد في تصميم المنشآت.


لم تقتصر جهود سنغافورة للحد من الأثر البيئي لقطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الجزيرة على ذلك فحسب، بل لجأت أيضاً لميدان البحوث والتطوير، حيث أطلقت هيئة تطوير وسائل الإعلام مبادرة “صندوق الحوسبة الخضراء” برصيد قيمته 30 مليون دولار سنغافوري (22.6 مليون دولار أمريكي) في محاولة لإيجاد حلول فعالة على مستوى كلٍّ من المعدات والبرمجيات. يهدف الشق الأول من المبادرة إلى رفع مستوى أداء الأجهزة والمعدات من جهة كفاءة الطاقة، برصيد تبلغ قيمته 20 مليون دولار سنغافوري (نحو 15 مليون دولار أمريكي) – حيث يتم النظر في إمكانية تبريد الأجهزة من خلال غمرها بسوائل خاصة، وإمكانية ربطها بمصادر للطاقة المتجددة. وتم تخصيص 10 مليون دولار سنغافوري (ما يقارب 7.5 مليون دولار أمريكي) لتمويل الشق الثاني للمبادرة الذي يهدف إلى رفع كفاءة البرمجيات من خلال تخفيف حجم البرمجيات، واستخدام خوارزميات أكثر فعالية، وتبني ممارسات ترميز خضراء. وتأمل الهيئة أن تؤدي هذه البحوث القائمة على الشراكة وتبادل الخبرات مع قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات إلى حلول عملية تخفف من العبء المتزايد لتشغيل مراكز البيانات باستهلاك الطاقة الأحفورية.

المراجع:

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
اشترك في النشرة الإخبارية لمنصة ابتكر
القائمة البريدية للمبتكرين
تصل نشرتنا الإخبارية إلى أكثر من 30 ألف مبتكر من جميع أنحاء العالم!
اطلع على النشرة الإخبارية لدينا لتكون أول من يكتشف الابتكارات الجديدة و المثيرة و الأفكار الملهمة من حول العالم التي تجعلك جزءاً من المستقبل.
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

لعبة الاختلاف … ابتكارٌ في اليابان يوقظ الإبداع البشريّ في وجه الخوارزميات

في عالمٍ يتنامى فيه حضور الذكاء الاصطناعيّ باستمرار، تقف لعبة الاختلاف شاهداً على القوة الدائمة للإبداع والتعبير البشري، من خلال تشجيع الأفراد على التفكير خارج الصندوق والإبداع بطرائق لا يمكن للذكاء الاصطناعي تقليدُها. لا يسلّط هذا المشروعُ الضوءَ على قيود التكنولوجيا فحسب، بل ويحتفي بالجوهر البشريّ الذي لا يمكن الاستغناء عنه.

 · · 8 أكتوبر 2025

الناتج المحلي الإجمالي الجديد … أداة بيانات للرصد الحيّ لحالات عدم المساواة

تجربةٌ يرى فيها الخبراء القلبَ النابضَ للاقتصاد بصورةٍ مباشرة، فلا يفهمون مقدار نموّه فقط، بل ومَن يستفيد من هذا النموّ كذلك. هذا مشروعٌ أمريكيٌّ يزوّد صنّاع السياسات بالأدوات اللازمة لرصد الفوارق بين الناس ومعالجتها في الوقت الحقيقيّ، عبر ابتكارٍ رائدٍ يتحدّى المنهج التقليدي في قراءة المشهد الاقتصاديّ.

 · · 8 أكتوبر 2025

تسريع الاكتشاف العلمي باستخدام الذكاء الاصطناعي

مع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي وأدواته، هل ستُحدِث تطبيقاته ثورةً في العلوم التطبيقية؟ تطبيقات تستفيد من نماذج اللغة الكبيرة، والخوارزميات المتقدّمة، لتسريع عجلة الاكتشافات العلمية وأتمتة المهام الروتينية وتوليد فرضياتٍ جديدةٍ باستمرار.

 · · 21 أغسطس 2025

الذكاء الاصطناعي الدستوري التشاركي … مواءمة الذكاء الاصطناعي مع مُدخلات الجمهور

بعد أن ترسّخ الذكاء الاصطناعيّ عنصراً أساسياً في حياة البشر، عليه أن يتمثَّل مبادئهم. من هذه الفكرة، انطلق مشروع الذكاء الاصطناعيّ الدستوريّ التشاركيّ في أمريكا، ليوائمَ سلوك الذكاء الاصطناعيّ مع القيم المجتمعية.

 · · 21 أغسطس 2025

من السماء إلى التربة: خوارزميات التعلُّم الآليّ والأقمار الصناعية لتطوير الزراعة الأفريقية

إزاءَ التحدّيات المناخيّة والغذائيّة والديمغرافيّة المتصاعدة، أطلق برنامج حصاد أفريقيا التابع لوكالة ناسا، مشروعاً يهدف إلى تحسين الممارسات الزراعيّة عبر الاستفادة من البيانات الحيّة وصور الأقمار الصناعيّة.

 · · 21 أغسطس 2025
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right